- شوارع سيدي عامر مهجورة لا يُسمع فيها صوتٌ إلا زخَّاتُ الغيث الذي بدأ يهطل بعد أن رأى الناسَ يثوبون إلى كِنانهم، كأنما يريد تطهير المدينة الصغيرة بيد الله، خرجتُ أنا لأن لي معاهدةً مع الغيث أن ألاقيَهُ حيثما نزل، رُحتُ أجوس خلال الأزقة وكأني أبحث عن غرضٍ ما، ولم أسمع سوى هينماتِ السكارى يضحكون ولا يبكون وهم سامدون، أكثر الناس وفاءًا للحبيبة الصهباء، قلوبهم نقية لا يؤذون أحدًا ولا يظلمون امرأةً، وجدتهم تحت شجرة مختبئين عن المطر وكأنهم صبيان صغار يتهامسون ولا يعرفون سوى الحب، واحترق الفؤاد وأنا أخمِّن ما يدور بينهم من حديث؟ لا شك أنهم مجانين مثلي، وأنا سكران مثلهم، إنهم يعاقرون الخمر فتُميط عن قلوبهم أذى الدنيا، وأنا أفتقد صاحبة العينين الجميلتين أبحث عنها تحت المطر وفي الأماكن التي لن توجد فيها أبدا، أحتسي خمرة الفقد، أتبسم وحدي، أنطق بكلمة يتيمة، أحيط نفسي بدفء الآمال، يخذلني مشهد عينيها ماثلا أمامي في كل خطوة كأنها جنية تقطع طريقي كل مرة، أما زخات الغيث المكشوفة بأضواء الشوارع فكأنها فتيات يرقصن في عرس صاخب، لكن لا صوت سوى هينمات السكارى، ولا صخبَ إلا عتاب القلب وارتطام الأفكار داخله، إن الذي يتجول في الشوارع ليس أنا، إنما هو الفَلَكُ الأعلى، كواكبه ونجومه ونيازكه وشُهُبه وشمومسه وأقماره، كونٌ بكامله يشهد فوضى عارمةً من تلك النظرة التي تخذلني: كلما غضضتُ بصري قامت في بصيرتي!
تعليقات
إرسال تعليق