تنطلق أحداث الرواية من حافلة للنقل الحضري بمدينة بوسعادة، تجري محادثة يومية بين شابين صديقين أحدهما في الثلاثينيات والآخر في العشرينيات، بينهما جيل من التفكير والعقلية، تناول حوارهما مسائل متفرقة عن الثقافة ومكانة الشِّعر في العصر الحديث وعن التراث الخطوط وغير ذلك بطريقة موجزة تدل على أنهما متناقضان في الآراء، في بضع دقائق ينزل الشاب الأكبر في المحطة ليذهب إلى منزله بعد فترة العمل الصباحي، لكن يحدث ما لم يكن متوقعا، تختطفه عصابة مجهولة لا يدري كيف قبضت عليه ثم يغمضون عينيه بعصبة ويضعونه في سيارتهم الفارهة لينطلقوا في رحلة تدوم ساعة تقريبا، ينزلونه من السيارة ثم يأخذون به في طريق جبلي شاق حتى يصلوا إلى قمة جبل على ما يبدو، وفي خضم كل ذلك لا يعي الشاب أي شيء عن أسباب ودوافع القبض عليه والإتيان به إلى هذا المكان الجبلي، يضعونه في مكان مظلل يتبين لاحقا أنه غار في أعلى ذلك الجبل، ثم يتركونه وحيدًا دون أن ينطقوا بأي كلمة ولا يوضحوا سبب القبض عليه ولا يعطوا تعريفا عن هويتهم وأسمائهم، يجلس الشاب وحيدا مقيدا في ذلك الغار عيناه معصوبتان وفمه مكمم بحيث لا يرى ولا يتكلم، وبعد أن يمر عليه زمن من التفكير في أسرته وزوجته وابنه الوحيد، تنبثق الأسئلة في رأسه الواحد تلو الآخر حسب التسلسل المنطقي بدءًا بالسؤال عن العصابة التي قبضت عليه، ودوافعهم لذلك والاحتمالات التي يضعها لمحاولة تفسير الحادثة، بعد ذلك وفي غمرة وحدته يبدأ عقله في طرح أسئلة أكثر شمولية عن الظلم والديكتاتورية والسجون وحرية التعبير وعن حال المسجونين في سجون الظلمة ومعاناتهم التي تفوق ما حصل له آلاف المرات، حتى يصل به الأمر في خضم تلك التساؤلات بينه وبين نفسه أن يتوجه بالخطاب إلى الدهر أو الزمن الذي ابتلاه بهذا الأمر دون أن تكون له أي خلفية خطيرة يستحق عليه عقابا كهذا، إثر ذلك يتخايل له الزمن كشخص له مواصفات محددة وكأنه موجود معه فعلا في ذلك الغار، وهنا يبدأ حوار فلسفي بين الشاب المحتجز وبين شخصية الزمن المتمثلة في شاب له عقلية شيخ، وينطلق الزمن في استعراض قوته وهيمنته على الخليقة ثم يحدث بينهما تحدٍّي ينتهي بفوز الشاب المحتجز على شخصية الزمن الذي يلبي الرغبة التي طلبها منه الشاب، ثم يتحول الشاب المحتجز إلى تساؤلات عن المكان بعد أن أنهى مساءلاته للزمن، فيطرح أسئلته على الجبل الذي هو فيه وعن عظمته ومرافقته للناس وحكاياته مع الخليقة والسر الإلهي الذي وضعه الخالق فيه وعن تاريخ الجبل والحوادث التي وقعت على ظهره وبجواره، وعند ذلك يسترجع الشاب بعض الأحداث التاريخية التي يتخيلها وكأنما يُعاد تمثيلها أمامه وذلك باستحضار مشهد معركة تاريخية حدثت في تلك المنطقة، بعد ذلك وبعد أن تنتهي المعركة ويتلاشى المشهد الحربي يعود الشاب المحتجز إلى نفسه ويسائلها بطريقة فلسفية عن ذاتها وعن علاقتها به ويستحضر أحد أبيات ابن زهر الأندلسي، وإثر ذلك يعيد استحضار مشاهد اجتماعية شعبية كانت تحدث في تلك المنطقة ليُعيد طرح الأسئلة الوجودية على الزمن والمكان (الجبل)، ليخرج إلى المشهد -بطريقة تخيُّلية كالتي حدثت مع ظهور شخصية الزمن- أحد شعراء الأندلسي الذين ارتبط اسمهم بمناجاة الطبيعة والجبل على وجه الخصوص وهو ابن خفاجة الأندلسي، ليستغل الشاب هذا الخروج الفلسفي للشاعر ويُجري معه حوارا يسرد على إثره ابن خفاجة إحدى أشهر قصائده التي تشرحها الرواية بطريقة تأملية تفاعلية ممتعة، ثم يعود الحديث بعد ذلك إلى الزمن الذي صار أحد الشخصيات التخيُّلية الرواية فيرجع إلى نفسه بالأسئلة الأكثر عمقا والتي تمثل الطروحات الفلسفية المختلفة عن حقيقة الزمن وكينونته، ثم ينتقل إلى إشكالية علاقته أي علاقة الزمن بالناس وكيف يقدسونه ويخافون منه إلى درجة التأليه ليقوم الزمن بتسفيه هذه النظرة التقديسية وأنها عادة البشر في تأليه كل مخلوق يثير قلقهم ومخاوفهم، وأن الناس يؤلهون النسوان والسلطان وأنهم يتناسون أن المنع عين المنح، وهنا تظهر شخصية تخيُّلية أخرى في تصور الشاب المحتجز هي شخصية الشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي الذي يستأنف الحوار مع الشاب والزمن وابن خفاجة ويركز على مسألة اللغة ومشكلة الألفاظ والمعاني، وكيف أن اللغة تضيق عن بحار المعاني التي في تحدُث النفس الناطقة، ليصل بهم النقاش إلى مفهوم العقل والقوى العقلية والذي يتيح لشخصية أخرى بالظهور وهي شخصية الفيلسوف ابن حزم الظاهري، والذي يبدأ الحوار ويركز على ابن عربي وعلى الشاب المحتجز في قضايا التأويل والحب والمرأة وغير ذلك ويظهر الخلاف بين ابن حزم وابن عربي رغم انتمائهما إلى نفس المدرسة الفكرية وهي المدرسة الظاهرية، وبعد نقاش مطول يلتفت الشاب المحتجز إلى خارج الغار حيث بدأت الشمس في الغروب وبدأ الظلام يبسط سلطانه ليظهر مشهد آخر هو حضور الجن الذي يمثل أسطورة شعبية معروفة في تلك المنطقة، لكن الرواية تستغل ذلك لمناقشة فلسفية حول الجن والنار ونحو ذلك وفي كل ذلك كانت مداخلات ابن خفاجة مختصرة جدا يسوقها أحيانا في أبيات شعرية، وبعد تلك الحوارات الفلسفية المطولة مع الشخصيات التي استحضرها الشاب المحتجز في خياله وذهنه؛ يرجع إلى نفسه لتعود له الأسئلة المزعجة: لماذا أنا هنا؟ وأي مكان هذا بالضبط؟ ولماذا احتجزوني؟ لتطرق سمعَه عبارة غريبة لم يفهمها ثم يشرحها له ابن عربي في آخر مشهد من ظهور تلك الشخصيات، يبقى الشاب وحيدًا بعد ذلك وتبدأ الرواية على لسان الراوي العليم في شرح الفكر وآلية التفكير الإنساني التي تجعل العقل من أعظم المعجزات الإلهية في الكون وشرح معجزة اللغة وأثرها في العالَم الخارجي عن الذهن، يتزامن هذا مع اشتداد ظلمة الليل ثم قُبيل الفجر يحدث حدث غريب وهو ظهور صوت يخاطب الشاب المحتجز بطريقة رمزية لا يكاد يفهمها الشاب، يبني خطابه على ما حصل خلال حوارات الشاب مع الشخصيات السابقة، ليوضح له أن كل ذلك كان مليئا بالشفرات التي توصله إلى صاحب الصوت هذا، ثم يكتشف الشاب أن صاحب الصوت هو شخصية أندلسية تاريخية عمِل الشاب سابقا على البحث عن إحدى مؤلفاتها الكتابية، فيسترجع الشاب المحتجز رحلته البحثية رفقة صديقة له منذ سنوات وكيف أنه تم احتجازهم من قبل الشرطة بتهمة سرقة تراث قومي والمشاركة في قتل مواطن جزائري بالتعاون مع رعية أمريكي، تعود هذه الأحداث بالقارئ إلى مشاهد رواية "العثمانية" التي سبقت صدور رواية "متاهة قرطبة"، وهكذا يكتشف القارئ ما تبقى من أحداث ويربط بين الروايتين وبين شخصية البطل في كل واحدة منهما وتكتمل مشاهد القصة، ولكن يبقى السؤال في آخر صفحات متاهة قرطبة عن احتجاز الشاب وهل كان ذلك حقيقيا أم مجرد رؤيا منامية، ويُترك الجواب عن ذلك للقارئ.
تعليقات
إرسال تعليق