حوار مع صحيفة "الشباب الجزائري"، بتاريخ 22/ 11/ 2019

من هو الطيب صياد؟ حدثنا عن بداياتك الأولى في الكتابة؟
تقريبا هذا السؤال والذي بعده مما يكرر في الأسئلة الصحفية خاصة مع الكُتَّاب الشباب الذين يظن أنهم لم ينالوا شهرة ولم يصنعوا أسماءهم الأدبية بعدُ، والسؤال بحد ذاته إشكال تقع فيه الصحافة الثقافية أو الإعلام الثقافي بسبب عدم التواصل المستمر مع الجيل الجديد من كَتَبة الرواية والشِّعر وسائر الأجناس الأدبية، وأظن أن الجواب عن مثله أختصره فيما يلي: المجال الأكاديمي هو قسم اللغة والحضارة التابع لكلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر1، وبالضبط شعبة اللغة العربية والدراسات القرآنية وهو الميدان الذي سيطر عليَّ منذ بدايات شغفي بعالم القراءة والكتابة والذي يعود إلى سنوات مرحلة التعليم المتوسط، إذ كانت انطلاقتي من هنالك مع كُتُب الأدب العربي والمترجَمات العالمية التي كانت تصل مكتبة المؤسسات التعليمية آنذاك، كان مستوى العناوين التي تصلنا جيدا بل ممتازا وهذا ما جعل تأثير المطالعة في تكويني اللغوي والثقافي مكسبا قيِّمًا في نظري أقطف ثمره حتى اليوم، ولكن لا ينبغي أن أنسى تكويني في المرحلة الابتدائية على يد معلِّمي الأستاذ "مسعود زرقيط" الذي بذل جهدا كبيرا جدا لتكوين تلاميذ تكوينا علميا ثقافيا مميزا جدا وهذا قد يبدو مستغربا لكنها شهادة أشهد بها أمام التاريخ وأسترجع بها مكانة التعليم الابتدائي والمتوسط التي كانت سنوات التسعينات، خلال تلك المراحل كان التكوين المعرفي داخل الأسرة من صنع السيدة الوالدة التي كانت شاعرةً شغوفة بالمطالعة والكتابة وقد كتبت عشرات القصائد والنصوص وكانت تقرأ لنا وتحفزنا على القراءة، إذن: البداية الأساسية هي قاعدة صلبة أتقنا بناءَها التكوين الأسري والتعليم الأساسي، وصلت المرحلة الثانوية وأنا أكتب قصائد ممتازة من حيث اللغة والمقاييس الشعرية وجودة الأسلوب شهِد بذلك من قرأ لي من أساتيذ اللغة، وهكذا انطلقت في المرحلة الجامعية بزادٍ وفير من اللغة والثقافة صقلتُها بالمكتسبات الجديدة من الكُلِّيَّة ومكتبة جامع عبد اللطيف سلطاني بمدينة القبة القديمة بالعاصمة التي احتضنتني أيما احتضان ووفرت لي محيطا علميا زاخرا جدا، أستغل هذه المناسبة لأرفع التحية إلى القائمين على تلك المكتبة وأوجه لهم كل عبارات التبجيل والشكر، هكذا إذن كان الطيب صياد في بضع محطات مهمة.
لمن يقرأ الطيب صياد؟ وماذا يقرأ؟
كل من يحصر نفسه في أسماءَ محددة ومجالاتٍ قرائية معينة فسوف يظَلُّ محدودا قاصرا في حكم المعرفة البشرية، لأن روافد العلم لا تنضب ولا يمكن الاكتفاء ببعضها عن بعض، وهنا يستوجب عليَّ أن أوجه من يقرأ حواري هذا خاصة الكُتَّاب والقُرَّاء أن لا ينخدعوا بأحجية التخصص، تكوين الذات معرفيا لا يعترف بالتخصصات والاكتفاء مطلقا، عن نفسي لا ولم أمتنع سابقا من القراءة لأي اسمٍ مهما كان توجهه الديني أو السياسي أو الفلسفي بل كلُّ ما بلغتْهُ يدي من الكُتُب طالعته ولا أولوية في المطالعة إلا في أحايين الكتابة البحثية أو حين يحتاج النص الذي نشتغل عليه إلى مطالعة مجال بعينه أو أسماء بعينها، لذا لا أزال أقرأ الأدب العربي القديم بكل عصوره وأقرأ كُتُب الطوائف وأصحاب المذاهب الإسلامية والفلاسفة والآداب الحديثة والمفكرين السياسيين واباحثين في المجالات المعرفية التي باتت في وقتنا هذا مفصَّلةً تحت أسماء علمية دقيقة بعد أن كان الأقدمون يتناولونها تحت عناوين واسعة، فنحن ندرك أن ابن خلدون في "مقدمته" قد تكلم في عدة علوم مهمة جدا كعلم العمران وعلم الاجتماع وفقه التاريخ وفقه السياسة وتعليمية العلوم وغيرها من المجالات التي أصبحت اليوم علوما قائمة بذاتها، فقراءاتي لا أريد لها أن تنحصر في مجال واحد.
ما هو أسلوبك في الكتابة؟
يقول من قرأ لي إن لغتي تجمع بين الفصاحة القديمة والعصرنة وإن كنت سأعترف بهذا -لا على سبيل التزكية الذاتية- ولكن لأن مطالعاتي التي بدأت بالأدب القديم ظلت تؤثر في لغتي واختياراتي اللفظية والتركيبية، غير أني أحاول المغايرة بين الأساليب في مواطن عديدة، فأسلوبي في المقالات يختلف عن النصوص أو التغريدات اليومية التي أنشرها على حسابي الشخصي، ويختلف كذلك أسلوبي في القصائد بين مضاهاة الشعر القديم ومحاكاة الشعر الحديث وأنا على فكرة لا أكتب فيما يُسمى شعر التفعيلة وشعر النثر وهما الشكلان الأدبيان اللذان لا أوافق على تسميتهما شِعرا (ربما يندرجان في الجنس الضبابي المدعو بالخاطرة)، وقد اختلفَ أسلوبي من رواية العثمانية (2012) إلى رواية متاهة قرطبة (2018) اختلافا كبيرا جدا حتى قال بعض القراء إن من لا يعرفك سيظن أن كاتب العثمانية ليس هو الذي كتب المتاهة القرطبية !
العثمانية ومتاهة قرطبة؟
بعد أن دخلتُ في رحلة بحث علمي عن التراث العربي الإسلامي بحكم تخصصي الأكاديمي كما ذكرتُ آنفًا؛ واجهتني -كما واجهتْ الباحثين في هذا المجال- عدةُ معضلات أهمها ضياع آلاف المخطوطات وهو الأمر الذي استفزني كثيرا لكتابة نص العثمانية إذ كتبتُها لأعبر بها عن الألم الذي ينتاب الباحث المحقق في إيجاد المخطوطات بغية نشرها وتوزيعها، كانت العثمانية رسالة إلى وزارة الثقافة وكل المسؤولين للاهتمام بهذا التراث والكنز الذي يكاد يضيع في المكتبات الأسرية الخاصة ومكتبات الزوايا والكتاتيب في مختلف ولايات الجزائر وذكرتُ مثالا على ذلك الزاوية القاسمية والتي كانت أحد أماكن الرواية في العثمانية.
متاهة قرطبة مثلت تجليا آخر للعثمانية بأسلوب الرواية النفسية الصوفية الفلسفية والتي تُعيد صياغة الرواية الأولى وتسد ثغراتها وتجيب عن بعض الأسئلة العالقة فيها، وقد دُرست الروايتان في عدة رسائل ومذكرات جامعية في جامعة المسيلة والجزائر العاصمة2 وجامعة خميس مليانة وجامعة مولود معمري بتيزي وزو وغيرها.
من يصف أدب الشباب بأنه ضعيف؟
أطرح سؤالا واضحا لصاحب هذه المقولة الكئيبة وأرجو منه الإجابة عنه: كيف يكون لدينا كاتب عظيم؟ هل ينتظر حتى تنتهي سنوات شبابه ويصبح كهلا أو شيخا ثم يبدأ الكتابة أم ماذا؟ هل نمنع الشباب من الكتابة؟ هل نظل متفرجين عليهم ثم إذا كتبوا نسلقهم بألسنة حِداد؟ هذا مسار سلبي انهزامي، وفي نظري أن يتشارك هؤلاء النقاد والكتاب الكبار في ورشات تفاعلية تعليمية مع الكتاب الشباب لتوجيههم ومرافقتهم وتصحيح أخطائهم، أدعو كذلك دور النشر أن تقف وقفة أمام الضمير وأن لا تنشر لكل من هب ودبَّ وأن تحاسب النص قبل أن تطلب المقابل المادي من شاب مسكين لا يعرف كيف ينطلق في مسيرته الكتابية، جهتان مسؤولتان عن هذا الوضع الذي نحن فيه: أدباؤنا الكبار ونقادنا الكبار الذين يلتزمون الصمت ثم لا ينتقدون إلا بعد حصول الكارثة، ودور النشر التي باتت أشبه بمطابع أو وسائط مطابع لا أكثر.
ما تود قوله؟
لي أمل في أن تُتَوَّج الجزائر بمجالس أدبية مبنية على أساس النزاهة والكفاءة، تكون لها وظيفة صناعة الكاتب وصناعة الكتاب، فالجزائر التي ظفر شبابها بجوائز على مستويات عربية وعالمية عدة سنوات ولحد الآن؛ أعتقد أنها تحتاج أن يكون لها في الداخل من يحترم عظمتها ويعيد بناء مجدها الأدبي والثقافي بعيدا كل البعد عن الشخصنة والإيديولوجيا.

تعليقات