- 35 فائدة من دلائل الإمام السرقسطي.

1- قد تُسمَّى الصفرة التي تعلو الأسنان "عُصوبًا"، قال السرقسطي في شرح هذه المفردة: "وهو وسخ يجتمع على الأسنان من غبار أو شدة عطش". (1/ 481)

2- العرب أكثروا من وصف الأسد في أشعارهم ورووا لنا بطولاتهم في مصارعته في مآسد الجزيرة كالشرى وبيشةَ والملاحيظ [انظر: صفة جزيرة العرب، للهمداني]، ولكن نقل الإمام السرقسطيُّ نصًّا نثريًّا لأبي زيد الطائيِّ حين سأله الخليفة عثمان بن عفَّان -رضوان الله عليه- عن قصيدته في وصف الأسد، فأنشده إيَّاها، ثم قصَّ عليه القصة نثرًا فأبدع أيَّما إبداع حتى كأنه صوَّر لهم السبع أمامهم، وقال له عثمان حينها: "اسكت، قطع الله لسانك! فقد رعبت قلوبَ المؤمنين".
يُنظَر: الدلائل على معاني الحديث بالشاهد والمَثَل (1/ 477)

3- صعد عثمان بن عفان -رضوان الله عليه- المنبر فقال:
"الحمد لله، إن أول كل مركب صعب، وإن أبا بكر وعمر كانا يُعِدَّان لمثل هذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمامٍ عادل أحوجُ منكم إلى إمام قائل...".

4- كان بعض أهل العربية يُخطئون في رواية بيتٍ من الشعر يقولون فيه:

عافتِ الماءَ في الشتاء فقلْنا ... بَرِّدِيــهِ تُصادفيه سَخِينَا

ويقولون بناءً على ذلك: التبريد يأتي بمعنى التسخين والإبراد، فهو من الأضداد عندهم !! ولكن الرواية الصحيحة للبيت هي هكذا:

عافتِ الماءَ في الشتاء فقلْنا ... بَلْ رِدِيــهِ تُصادفيه سَخِينَا

فأدغم اللام الساكنة في الراء فظنَّ أنها "بَرِّديه"!

5- إذا قيَّدُ رجلٌ رجلا بحبلٍ يقال عندنا: "كتَّفَه"، وهي صحيحة في العربية ففي الأثر: أن رجلا أتى عمرَ بأسيرٍ له قد كَتَفَهُ..

6- "كانت الأرض تميد فوق الماء، فنثطها الله بالجبال" أي: ثبَّتها حتى لا تميد.
هذا الحديث لم أعثر له على إسناد، ويذكره أهل الغريب، وعلى أي حال فهذه حقيقة علمية يذكرها علماء الأرض بأن تحت اليابسة من المياه أضعافًا مما هو في المحيطات والبحار التي هي في السطح.

7- تقول: هذا رجلٌ ناهيكَ مِن رجلٍ! امتداحًا له وإعجابًا به، ولك أن تقول على النَّسَقِ ذاته: هذا رجلٌ هِمَّتُكَ مِن رجل، وشَرعُك مِن رجل، وجازِيك من رجل، وحسبُك من رجل ... كلها بمعنى واحد.

8- ذكر أعرابيٌّ امرأةً فقال: تَبْسِمُ عن حَمْش اللِّثات، كأقاحي النبات، فالسعيدُ مَن ذاقه، والشقيُّ مَن راقه!
يعني السعيدُ مَن ذاق رِيقَها والشقيُّ مَن أعجبهُ ولم يذُقْه !!

9- إذا أردتَّ التعجُّبَ من طِيب شيء قلتَ: واهًا له ما أطيبه! وإذا أردتَّ ترغيبَ رجل في شيءٍ ما قلتَ له: وَيْهًا يا فلان، فإن أردتَّ إسكات الرجل وتوقيفه قلتَ: إِيهًا عنَّا.

10- قال عمر بن الخطاب للحُطيئة النصراني: إياكَ والشِّعر.
قال: لا أقدر يا أمير المؤمنين، مأكلة عيالي ونُملة على لساني.
قال: فشَبِّبْ بأهلك، وإياك كل مرجة مجحفة.
فال: وما المرجة المجحفة يا أمير المؤمنين؟
قال: تقول بنو فلان خيرٌ من بني فلان، امدحْهم ولا تُفضِّلْهم.
قال: أنت أعلم مني بالشِّعر يا أمير المؤمنين.
________________________
أقول: أين هذا الرُقِيُّ في تعاملنا مع الآخَرين؟ هذا أمير المؤمنين أعلى منصب في الدولة يخاطب رجلا نصرانيًّا شاعرًا كان يهجو بشعره ويتغزَّل، لم يقتله أميرُ المؤمنين ولم يعاقبْهُ ولم يضربه، بل كلَّمه وجادله النصرانيُّ حتى توصلا إلى حل يقنع الطرفين ... رحمك الله يا عمر!

11- لمَّا جُدَّ بعمرو بن العاص -أي دنا أجلُهُ- كان يقول: "اللهم أمرتَنا فتركْنا، ونهيْتَنا فركِبْنا، ولا تسعُنا إلا مغفرتك".
فال الراوي: فكانت تلك هِجِّيراهُ حتى مات.

12- حين يتدفَّقُ كأس الماء أو القهوة يقولون عندنا: "ساحْ الخير" تفاؤلا، وأصل هذه الكلمة قديمٌ؛ قال السرقسطيُّ: "ويقال في الطيرة عند انصباب الكوز: دافِقُ خير".

13- السيدة عائشة -عليها السلام- تحلف بالله أنَّ هذا يومٌ سيُحِلُّ الله فيه الغناءَ أو سيُحرِّمُهُ:
قالت عائشة: دخل عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أيام التشريق، وعندي جاريتان لعبد الله بن سلَّام تُغَنِّيان وتضربان برُقَّيْنِ لهما، فلما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلتُ: أمسِكا، فتنحَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى سرير في البيت واضطجع عليه ثم تسجَّى بثوبه.
قالت: فقلتُ: والله ليُحِلَّنَّ اللهَ اليوم الغناء أو ليُحَرِّمَنَّه، فأشرتُ إليهما أن خُذا فأخَذَتا، فوالله ما نشِب ذلك أن دخل عليَّ أبو بكر في بيتي، وكان رَجُلًا مُطارا، وهو يقول: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: فكشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رأسه وقال: "يا أبا بكر، لكلِّ قومٍ عيدٌ، وهذا عيدُنا".
وهو حديث صحيح معروفٌ، ولكن هذه رواية الإمام قاسم السرقسطي، وفيها فائدة -أظنُّ- لو عثر عليها ابن حزمٍ لطار بها كلَّ مَطار، وهي عبارة السيدة عائشة: "والله ليُحِلَّنَّ اللهَ اليوم الغناء أو ليُحَرِّمَنَّه"، أي: سيكون اليومَ أمرٌ من الله يتبيَّن به حكمُ الغناء أحلالٌ هو أم حرام؟ فتبيَّن بنص النبي -عليه السلام- أنه حلالٌ، وأن سماع الغناء حلالٌ وأن المعازف حلال وأن سماع كل ذلك بصوت المرأة حلال، وأنَّ السيدة عائشة قد روتْ هذا الحديث حتى يتبيَّن للناس حكمُ المعازف والغناء، وأنها روت الحديث لأنها تعلم أنه برهان قاطع في القضية ليس وراءه تشغيبٌ لذي شَغَب، ولا اعتراض ولا استدراك، وأظنُّ أنه ليس بعد هذه الرواية مُتمسَّكٌ لأصحاب الظنِّ الذين يريدون تحريمَ ما أحلَّ الله في كتابه بالتقليد الأعمى لشيوخهم.

14- يصحُّ أن تقول: ما عَدِمْتُ فلانًا وما أعدمني فلانٌ كلاهما بمعنى: ما فقدتُّه حين أردتُّهُ، قال لبيدٌ العامريُّ:

ولقد أغدو فما يُعْدِمني ... صاحبٌ غيرُ طويل المُحتَبَلْ

والصاحب يعني به -هنا- الفرس.
ويقال للفقر: عُدْمٌ وعَدَمٌ وإعدام، كلها صحاح.

15- وفي الحديث: أن النبي -عليه السلام- تحوَّل إلى قُباء، فقال أهل الأسرار: قد أعجبَنا أن نتحول إليك يا رسول الله.
الأسرار: القُرى التي حول المدينة.

16- يتملَّصُ فلانٌ من كذا ويتملَّسُ ويتملَّزُ؛ كلها صحاح.

17- حديث غريب سندا ومتنا:
إن حصين بن مُشْمِتٍ وفد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعه بيعة الإسلام وصدَّق إليه ماله، وأقطعه النبي صلى الله عليه وسلم مياهًا عدة بالمَرُّون منها أسناد جُراد ومنها أصيهِبٌ ومنها الماعزة ومنها الهَويُّ ومنها الثماد ومنها السديرة ... وفيه أبيات من الشعر.
رواه السرقسطيُّ عن موسى بن هارون عن أحمد بن عبدة عن مُحرز بن وَزَر بن عمران بن شعيب بن عاصم بن حصين بن مشمت عن أبيه وزر عن أبيه عمران عن أبيه شعيب عن أبيه عاصم عن أبيه حصين بالحديث !!!
وقال النقاد: محرز وآباؤه كلهم مجهولون !
والحديث رواه أيضا دعلج السجزيُّ في "المنتقى من مسند المُقِلِّين".

18- ألبستْ بنتُ الجُلندَى -مَلِكِ عُمان- حليها لسلحفاة فدخلت البحر وبدأت تقذف بيديها الماء وتصبُّهُ في الساحل، فقالت البنت: نَزافِ نزاف .. لم يبقَ في البحر غيرُ قَذاف !
خافت أن تنقص من ماء البحر !!

19- تقول الحُمَّى: أنا أُمُّ مِلْدَم، آكل اللحم، وأمُصُّ الدم !!

20- قال الشاعر:

بسَرارةٍ حَشَف الربيعُ غُناءَها ... حَوَّاءَ يزدرع الغَمير ثَراها

السَّرارةُ وسط الوادي حيث العشب والنبت، والحَوَّاءُ الخضراء التي اشتدَّتْ خضرتها حتى مالت إلى السواد من شدة الرِّيِّ.

21- كلُّ ما كان على وزن "فَعيلٌ" وكانت عَينه أحدَ حروف الحلق الستة "ء،هـ،ع،ح،غ،خ" فيجوز في فائه الفتح والكسر فتقول: سَعيدٌ وسِعيدٌ، ورَغيفٌ ورِغيفٌ، وبَهيمة وبِهيمة ونحوها.

22- غاب شبيبة بن شيبةَ الأهتميُّ دهرًا بالحجاز ثم أتى أهله فوجدهم وقد باد كثيرٌ منهم وألفى أصحابه قد تفرَّقوا فأوحشه ذلك فأنشأ يقول:

يا منزلَ الحيِّ الذين تفرَّقتْ بِهِمُ المَنازلْ
أصبحتَ بعد عمارةٍ .. قفرًا تُخَرِّقُكَ الشمائلْ
فلئنْ رأيتُكَ موحشًا ... لَبِمَا رأيتُكَ وأنتَ آهِلْ

هذه الـ"بِما" من غرائب العربية التي يعسُرُ شرحُها، وهي في الحديث الذي رواه السرقسطيُّ بلفظ: "إنا نخرج بالإداوة والإداوتين من الماء فبِما نجد الصيد قريبًا فيكفينا وبِما نجده بعيدًا..."، وهو حديثُ أبي هريرة في البحرِ المعروفُ.

23- وقال العُتبيُّ:

لي صديقٌ يرى حقوقي عليهِ ... نافلاتٍ، وحقَّهُ كان فرضَا
لو قطعتُ البلادَ طولًا إليه ... ثُمَّ من بعد طولِها سِرْتُ عَرْضَا
لرأى ما فعلتُ غيرَ كبيرٍ ... واشتهى أن يزيدَ في الأرض أرْضَا !!

24- وقال أحد الرُّجَّاز يصف حُبَّ امرأته له وأنها كانت تترصد له لمَّا شاخ وانحنى ظهرُهُ حتى تهجُرَهُ وتتمنى أن يصيبه داءٌ لا شفاء منه:
لمَّا رأتْ في ظهريَ انحناءَا
والمشيَ بعد قَعَسٍ إحناءَا
أجْلَتْ وكان حُبُّها إجلاءَا
وجعلتْ نصف غَبوقي ماءَا
تمذُقُ لي من بغضيَ السِّقاءَا
ثُمَّ تقول من بعيدٍ هاءَا
دحرجةً إن شئتَ أو إلقاءَا
ثم تمنَّى أن تكون داءَا
لا يجعلُ اللهُ له شفاءَا
______________
وقوله "هاءَ" لغةٌ في "هاتِ" والظاهر أنها من الأضداد تكون بمعنى "خذْ" وبمعنى"أعْطِ".

25
- وقالت امرأةٌ لزوجها: "واللهِ لقد أطعمتُك مأدومي، وأبثثْتُك مكتومي، وأتيتُكَ باهلًا غيرَ ذات صِرار".
أي: أطعمتُك من كل مالي، وأخبرتُك بكل أسراري، وجئتُ إليك طوعًا.

26
- "أُدُّكَ أُدُّ أبيكَ، لا تقطعْ أُدَّ أبيكَ فيَطفَأَ نورُكَ".
الحديث بهذا اللفظ رواه الإمام قاسم السرقسطيُّ في الدلائل (1/ 205) وقال شارحًا: "أُخْرِج الاسمُ مَخرَجَ المصدر، وهذه الواو إذا كانت مضمومةً في صدر الحرف قُلِبتْ أحيانا همزةً، كما يقولون: أُجوهٌ، قال الله تعالى: (وإذا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ)"اهـ.
أقول: هنا فائدتان؛ فأما أولاهما فإن المصدر يمكن أن يقوم مقام الاسم، وهذا معروفٌ في العربية جدًّا كقولهم: سعدٌ وفضلٌ ونحوهما، والأخرى: أنَّ الحرف الأول في المفردة إذا كان واوًا مضمومةً فيمكن أن تَقلِبَهُ همزةً، ومثَّلَ لذلك بمثالين:
• (وإذا الرُّسُلُ أقِّتَتْ) وأصلها: وُقِّتَتْ، من الوقت.
• أُجوهٌ، وأصلها: وُجوهٌ.
وفي الحديث الآنف وردتْ لفظةُ "أُدُّ" والمقصود "وُدُّ"، والودُّ هو الحُبُّ.

27
- ولبعضهم:

أبا هانئٍ لا تسأل الناس والتمسْ ... بكَفَّيْكَ فضلَ الله فاللهُ أوسعُ
فلو تسأل الناس الترابَ لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يَملُّوا ويَمنعوا

28
- نقول: "سرعان ما جاء فلانٌ"، إذا كان مجيئه سريعًا، ويقولون أيضا: وَشْكان ما جاء، إذا كان مجيئُه وشيكًا أي: يوشك أن يجيء.

29
- وقال حُميد بن ثور الهلاليُّ يصف الذئب:

رأتْهُ فشَكَّتْ وهْو أطحلُ لاطئٌ ... إلـى الأرض مثنيٌّ إلـيــه الأكـارعُ
يـنـام بـإحـدى مُقْلتيْهِ ويتَّقي الْـمـنـايــا بأخرى فهْـو يقظانُ هـاجــعُ

واللاطئ بمعنى الملتصق بالأرض.

30
- وكان أبو الدرداء يقول: "الغنى صحةُ الجسد".

31
- وقال عمرو بن العاص يوم صِفِّينَ:

إذا تخازرْتُ ومـا بــي مِـــن خَـزَرْ
ثُمَّ كسرتُ الطرْفَ مِن غـيـر عَـوَرْ
ألفيْتَني ألوى شديدَ المـسـتـمَـرّْ
كالحيَّةِ الأصْيَدِ في أصل الشَّجـرْ
أَحْمِلُ ما حُمِّلْتُ مِن خيـرٍ وشَـــرّْ

32
- وفي المثل المضروب: "شرُّ خليطَيْكَ السؤومُ المُحرَّم"، فالسؤوم الذي لا يصبر، والمحرم الصعب الذي لا يعرف ما تريد منه.

33
- ويقال فيمن أعطاك وتفضَّل عليك بعدما شبع واستغنى لا كرما من نفسه؛ "أتاك ريَّانُ بِلَبَنِه".

34
- وقال آخر:
أرأيتَ يوم عكاظَ حين لقيتَني ... تحت العجاج فما شققتَ غُباري !

35
- قال المُرَّار:

إنَّ دون الذي هَمَمْتَ بـــهِ ... خَرْطَ شوكِ القَتادِ في الظُّلَمَه !!

تعليقات