- فضل الإمام داود بن علي الظاهري -رضي الله عنه-.

- كان ابن جرير الطبري يحضر مجالس داود بن علي الأصفهاني -إمام أهل الظاهر في زمانه-، ثم تخلَّفَ عنها وعقد ابنُ جرير مجلسًا لنفسه، فأنشأ داود يتمثل بهذه الأبيات مُمازِحًا:
فلو أنِّــي بُلِيتُ بهاشـمـــيٍّ ... خُـؤُولَـتُــهُ بـنـو عبد المَدانِ
صبرتُ على أذِيَّتِهِ؛ ولكنْ ... تعالَيْ فانظُرِي بِمَنِ ابتلاني
وهذان البيتان نُسِبا إلى علي بن أبي طالب وقيل: غيرُ ثابتين عنه، ونُسِبا إلى دعبل الخزاعي وزياد بن عبيد الله بن عبد المدان -خال أبي العباس السفاح-، وإن كانت لغتُهما ليست ببعيدة عن لغة العصر الجاهلي ولا الإسلامي، ولكن دعبلًا في الشعر من هو! وكذلك زياد بن عبيد الله.
فأمَّا ابن جرير الطبري فقد كان يُشيد بمكانة شيخه داود في العلم والفقه، فقد قال قاسمُ بنُ أصبغَ البَيَّانيُّ القرطبيُّ: "ذاكرتُ ابنَ جرير الطبري وابنَ سريج في كتاب ابن قتيبة في الفقه، فقالا: ليس بشيء، فإذا أردتَّ الفقه فكتب أصحاب الفقه كالشافعي وداود ونظرائهما، ثم قالا: ولا كتب أبي عبيد في الفقه، أما ترى كتابه في الأموال؟!".
أقول: لم يذكُرْ ابنُ جرير ولا ابنُ سريج -وهو أحد أئمة الشافعية- أحمدَ بن حنبل في جملة الفقهاء، بل كان الفقهُ عندهما محصورًا عند أصحاب الشافعي وأصحاب داود الظاهري ونظرائهما.
وكان أحمد يرفض مجالسة داود الظاهري وينهى عنه، وقد يكون هذا سببًا في إخماد مذهب الظاهرية طيلةَ عقودٍ، ومن غزارة فقه داود وتبحُّره في العلوم أنه كان يوصف بـ"ذي الأسفار" لكثرة ما كتبه،حتى قال ابن حزم: "كتب داود 18 ألفَ ورقة" !!! لترى ماذا جنى تعصُّب الحنابلة على من خالف شيخهم، وما مأساة ابن جرير عنه ببعيد...
وأخيرًا؛ كان والد داود حنفيَّ المذهب، والهجمة الشرسة التي نجدها في "المحلى بالآثار" على مذهب أبي حنيفة تدلُّ -زعمًا !!- على أن ابن حزم لم يكن يعلم بهذا الأمر، وإلا ما عقَّ والدَ شيخه في العلم... رحم الله الجميع!

تعليقات