- يقول إمامنا وسيِّدنا
أبو محمد ابنُ حزمٍ الظاهريُّ -عليه رحمةُ الله-: "يُفيد لغةَ الأمة وعلومَها
وأخبارَها، قوةُ دولتها ونشاطُ أهلها وفَراغُهم، وأما مَنْ تَلِفَتْ دولتُهم، وغلب
عليهم عدوُّهم، واشتغلوا بالخوف والحاجة والذلِّ وخدمة أعدائهم، فمضمونٌ منهم موتُ
الخواطر، وربما كان ذلك سببًا لذهاب لغتهم ونسيان أنسابهم وأخبارهم وبيور علمهم"اهـ
(الإحكام: 1/ 32)
أقول: أليس في هذا
عبرةً لنا ممَّا نراه من ضعف لغتنا، وقلة الاهتمام بها؟ بل يصل ذلك بكثيرٍ من المثقَّفين
إلى حدِّ السخرية والاستهزاء ممن يلتزم الكلام والكتابة بالعربية الفصيحة، ويُعَيِّرونه
أنه رجعيٌّ ومتخلِّفٌ، وينبهرون لمن ينطق ببعض كُليَماتٍ روميَّةٍ، ويشتدُّ إعْجابُهم
حين يسمعون فلانًا يرطن بالإنجليزية التي يُسمُّونها "اللغة الحية"، وصفة
الموات أولى بها، ويعجز أحدهم أن يلتذَّ بأسرار العربية، أو أن يُعلِّمَ نفسه بعض القواعد
التي تساعده في الكلام حتى يتمكَّن -على الأقل!- من إيصال فكرته، ولعلي أذكر نقاطًا
جوهرية يذكرها اللغويون واللسانيُّون في المقارنة بين اللغات؛ فمن ذلك:
• الاشتقاقية؛ ونحن ندرك يقينًا أن العربية هي أكثر
الألسنة مرونةً بما تتميز به من كثرة الاشتقاقات، وهي صفة قليلة إلى نادرة الوجود في
اللغات الأخرى.
• كثرة الأحرف؛ والعربية تحوي أصواتًا لا يتمكَّن
أغلب الأعاجم من النطق بها إلا تحريفًا.
• غزارة الموادِّ؛ وهذا لعله ناشئ من كثرة الحروف،
وهناك موادُّ في العربية لا ينطقها الأعجميُّ إلا محرفة تمامًا.
• المنطقية؛ والعربية في تراكيبها وتكوين الجملة
والإضافات الإسنادية وغيرها مطابقة للتسلسل المنطقي الذي لا يُحرِج المخاطَب في الفهم.
• المجازيَّة؛ وهي ميزةٌ موجودة في كل اللغات إلا
أنها في العربية أوفر حظًّا وأكثر وجودًا.
واللغة قبل ذلك؛
قضية قوميةٌ ودينيةٌ وحضاريةٌ، فمن تبرَّأ من لغته فهو الشاذُّ الذي فارق طبائع البشرية،
حتى لو كان "دكتورًا" أو شيئًا من هذا القَبيل !!
تعليقات
إرسال تعليق