حين شعر الأديب الكبير دان براون بما يشعر به الأمريكيون جميعًا من غياب
"الخصوصية" في مجتمعهم؛ وضع روايتَيْ "الرمز المفقود" و"حقيقة
الخديعة" محاوِلًا بذلك بناء مجدٍ أمريكيٍّ من خلال أعماله الأدبية تلك، فمثَّلتْ
"الرمز" و"الحقيقة" أحطَّ أعماله الروائية، لأنه لم يستطع أن ينفخ
فيها الروح التي نجدها في "ملائكة وشياطين" أو الروح التي نجدها في
"شيفرة دافنشي" أو حتى "الحصن الرقمي" فكلُّها تنتعشُ بعبق التاريخ
القديم والحضارة القديمة لأعظم مدن أوروبا "باريس، روما، إشبيلية بتاريخها الإسلامي
والمسيحي"، بينما نجد برودة كاسحة في تصوير الأحداث التي تجري بين أروقة البنتاغون
الذي يحاول "دانْ" أن يبعث فيه الحياة من خلال تشبيهه بإحدى الأماكن الأثرية
في إيطاليا القديمة.
ثم نجد توكيد ذلك في روايته "الجحيم، أو the inferno" -المقتبسة من بعض إبداعات
أبي العلاء المعري كما يرى بعض النُّقَّاد-؛ التي رغم كونها الأخيرة من بين أعماله
إلا أنها تكتسي ثوبًا رفيعًا لكونها تذكر اسمًا مثل "إسطنبول" وجامع السليمانية،
وهذا اعترافٌ ضمنيٌّ بأن التوجه العَلماني للمجتمعات الغربية -والمجتمع الأمريكي بالأخص-
يقضي على أي إبداعٍ مهما حاول أصحابُهُ تقليد الحضارات الأصيلة..
الفرقُ؛ أنَّ النزعة الروحية التي مزجتْ روايات "دانْ" وغابت في ثنائية
"الرمز - الحقيقة"، هي التي تعطي الفرق بين الفن الحي الذي يخاطب العقل عن
طريق القلب، والفن الميت الهامد الذي لا يعدو أن يكون أطلالًا دون ذكرى!
تعليقات
إرسال تعليق