- قال -سبحانه وتعالى-: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ
أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ؛ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي
نِسَاءَهُمْ، إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿4﴾ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى
الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
﴿5﴾ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا
مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴿6﴾" الآيات من سورة القصص.
-----------------------------------------
هذه الآيات الكريمة وإن كانت تُذكِّرنا بقصة سيدنا موسى -عليه السلام- وبني
إسرائيل وما لاقَوْهُ من البلاء على يد فرعون وهامان؛ إلا أنها تُشير إلى فائدة في
السياسة الشرعية الواجبِ على الحاكم اتخاذُها في معاملته مع الشعب الذي يحكمُهُ، وذلك
أنه لا يصحُّ للحاكم أن يُحْدِثَ "الطبقيَّةَ" في الناس، بأن يكون بعضهم
أحظى من بعض في الحقوق، أو أن يكون بعضهم عُرضة للاضطهاد والتعذيب والسَّجْن والاستعباد
دون غيرهم، سواءٌ كان ذلك لعرقهم أو لدينهم أو أي انتماءٍ فكري أو سياسي أو قَبَليٍّ
أو غير ذلك من الانتماءات،وذلك لعموم إنكار الله -تعالى- للتفريق بين الناس في عبارة:
"وجعل أهلها شِيَعًا" أي: فِرَقًا، إلا أن يكون إلحاقُ الأذى حادثًا بسبب
انتهاك الشخص أو الجماعة لجريمة معينة يترتَّبُ عليها الجزاء والمحاسبة بالعدل دون
حَيْفٍ ولا عَنَتٍ، وإلا فإن أيَّ اعتداءٍ على جزءٍ من الشعب دون الاستناد إلى العدالة
الشرعية فهو ظلمٌ وطغيان وتكبُّرٌ في الأرض واستعلاء على الناس دون مسوِّغٍ، ويترتب
عليه محاسبة هذا الحاكم الظالم وعدمُ تركِهِ يسدَرُ في غَيِّــهِ، والمحاسبةُ تكون
بالتدرُّج من الوعظ والنصح والقول اللين، لتصل إلى المعاقبة الفعلية الرادعة والقاطعة
لأسباب الظلم، وكلٌّ ذلك يمكن استقاؤه بَدْءًا من قصة فرعون وكيف بعث الله إليه الأنبياء
وأمرهم أن يقولوا له "قولًا ليِّنًا"، وانتهاءًا بأن دمَّر الله عليه ملك
مصر وأغرقه في البحر وجعله لمن خلفه عِبرة.
تعليقات
إرسال تعليق