- الفاء الساحرة.


- قال تعالى: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحَقَّ عليها القول فدمرناها تدميرا".
وقال نبيُّ الله -عليه السلام-: "كل الناس يغدو؛ فبائع نفسه فمُعتقها أو موبقها".
وقال عَبيد بن الأبرص:
أَقْفَرَ مِن أهله ملحوبُ ... فالقُطَّبيَّاتُ فالذَّنـــوبُ
فـــراكسٌ فثُعيلبـــاتٌ ... فذاتُ فِرْقيــنِ فالقَليبُ
فعَرْدةٌ فقفا حِبِــــــــرٍّ ... ليس بها منهمُ عَريبُ
قلتُ:
وهي موجودةٌ بغزارةٍ في طلليَّات الشعر العربي الجاهلي، وفُتِن بها الشعراء حين ابتدعها الملِك الضِّلِّيلُ لمَّا قال:
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل ... بسِقط اللوى بين الدَّخول فحومل
فتُوضِحَ فالمقراةِ لم يعْفُ رسمُها ... لِمَا نسجتْها من جنوب وشمْألِ
وهذا التكرار هو الجزء الآخر من السحر، لأنَّ له وَقْعًا لطيفًا جدًّا على الأسماع، وأما الجزء الأول منه فهو في اللفظ المختار نفسه، لأنه ليس كلُّ مكرَّرٍ يحسُنُ في الذوق، ومَن ذا يضاهي حرف التاء الذي أوغل في الجمال إيَّما إيغالٍ حين نقرأ قوله تعالى في سورة يوسف: "قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف"؟
الله الله!
ولا يبلغ هذه المبالغ إلا صاحب الذوق السليم، ومَن تتلمذ على شيخنا الكبير امرئ القيس القائل حين أراد أن يتغزَّلَ مفتخرًا:
أفاطمُ مهلا بعضَ هذا التدلُّلِ ... وإن كنتِ قد أزمعتِ هجري فأجملي
أدري أن هذا البيت لا علاقة له بموضوع الفاء؛ ولكن من لم يتذوقْ مثله فلن يتذوق مثل تلك الفاء والتاء!

تعليقات