- تأثير منهجية طلب العلم في شخصية الطالب.

- من العيب أن نجد طُلَّابَ العلم في وقتنا هذا يقتصرون على طريقة المتون في التعلُّم والتعليم، في حين برزتْ مناهج جديدة ومتطورة في تقديم المعلومة يعرفها المتخصصون ويعرفها حتى المثقفون، وقد ثبت عبر التاريخ أن طريقة أخذ العلم عن طريق تلك المختصرات المذهبية سوف يولِّد ظاهرة "التعصب" لدى طالب العلم، لأنه يبني نفسَهُ على نظرة انبهارية لصاحب المتن، وكيف توصَّل إلى كتابة هذا المختصر؟ وكيف اهتمَّ "الفقهاء" بشرح هذا المختصر ونظمه وما إلى ذلك، هذه النظرة تتكوَّن بالتدريج تجاه تلك المتون؛ مما يجعل التلميذ يقف بالعداء في وجه كلُّ من يعترض على متن شيخه ذلك، لأنه يحسب الصواب محصورًا فيه لا غيرُ، وهذا الذي أزعمُهُ ثابت بالمنهج التجريبي: ولنأخذ نموذجين أحدهما من طلاب الجامعة والآخر من طلاب المتون، ولنأخذ نموذجين مميَّزَيْنِ وفي المستوى ذاتِهِ من حيث الدرجة العلمية التي وصلا إليها، ولنطرح عليهما موضوعا يناقشانه أو نناقشه معهما ، أو نناقش كلَّ واحدٍ على حدةٍ، ونطلب منهما كتابةَ مقالة في ذلك الموضوع بطريقة منهجية ولننظر:
أيُّهما أكثر فهمًا للحوار والأسئلة المطروحة؟
أيُّهما أوسع صدرًا مع المخالف؟
أيهما أكثر ليونةً في حالة ما إذا اكتشف من نفسه خطأ وحاول التراجع عنه؟
أيهما يمكنه الكتابةُ بشكل سليم حول الموضوع؟
الطالب الجامعي لا يجد غضاضةً حين تعترضُ على شيخه أو تخالف رأيه، بينما طالب المتون والزوايا تجده أكثر حدةً تجاه من يخالف شيخه أو يخالف رأيه، ونجد أن اللغة التي كتب بها الجامعيُّ هي لغة علمية ومنضبطة إلى حد ما، أما لغة "المتونيِّ" فهي مضطربة ومختلَّة من الناحية المنهجية - حتى مع كونه في ناحية المعلومات قد يكون أكثر من الأول، ويمكنك سحب هذا على منتسبي التعليم النظامي [الأكاديمي] مقابل منتسبي التعليم التقليدي، وهذا ليس انتقاصا من التعليم التقليدي وطريقة المتون بقدر ما هو دعوة للمراجعة والاستفادة من مناهج غربية أو شرقية في الباب.
يمكنك أن تلاحظ الفرق جيدا بين فتاوى الألباني -رحمه الله- وبين فتاوى الددو -مثلا وهو ممن تغلب على مسيرته التحصيلية طريقةُ المتون- وكيف أن الأول يعتمد على الأخذ والرد والمناقشة والتحليل وتجزئة نقاط المسألة وضرب الأمثلة، بينما نجد أن الثاني يُلقي الكلام إلقاءًا ويسرُدُهُ سردًا يعبِّرُ عن حافظةٍ واسعةٍ لكنَّهُ لن يكوِّنَ فيك شخصية نقدية متميزة، بل يكون فيك إعجابا بكمية المحفوظ فحسبُ!
وهذا يمكن لأي أحدٍ تلمُّسُهُ في نماذجَ أخرى من النوعين...

تعليقات