- العلمانية وأثرها على توجهات أبناء الأمة الإسلامية.

- "العلمانية" والتي هي فكر سياسي وليس دينًا ولا مشابهًا للدين؛ هي من نتائج الغزو الفكري الذي مارسه الاستعمار الغربيُّ الحديث في مجالات التربية والتعليم والاقتصاد وأخيرًا مجال "الدين"! وذلك بعد عصور الانحطاط التي ضربت أمَّتنا المجيدة.
كان يراد من العلمانية أن تتسع الدولة لتحتوي كل أطياف الشعب العرقية والمذهبية دون أن تتعرض لفئة معينة بالمطاردة ولا لقومية معينة إلا على أساس القانون، فلا تكون بين أصحاب القرار السياسي وبين تلك الطبقة من الشعب أي حساسية سلبية، بل يطبَّقُ القانون على كل من ينتمي إلى تلك الدولة، كما أنه ليس من مقتَضَيات العلمانية أن يكون الحاكم "ملحدًا" أو كافرًا بالأديان؛ فكما أنها نظامٌ يدع حرية الاعتقاد للشعب فهو يوفِّر تلك الحريةَ ذاتَها للحاكم، ويبقى التعامل بين السلطة والشعب على أساس القانون الذي يتَّفقون عليه.
وقد تجلَّى هذا المظهرُ الحضاريُّ في العصور الراقية من حكم الدولة الإسلامية في المغرب والمشرق، فقد كانت تعيش تحت ظل الدولة العباسية والأموية في الأندلس والعثمانية عشرات القوميَّات من مختلف أنحاء المعمورة، وعشرات المذاهب العقدية والفقهية بجوار أصحاب الأديان من يهود ونصارى وغيرهم، وكان هؤلاء الذين يمثِّلون "الشعبَ" –في غالب الأحيان- ينعَمون بالأمن والاستقرار على أرواحهم وأموالهم وأنفسهم وأهليهم، والمرافعات القضائية تجمع بين رجل من أقصى "اليمين" مع رجل من أقصى "اليسار" أمام قاضٍ واحد يحكم بينهم بما أداه إليه اجتهاده في نصوص "القانون" الذي هو "الشريعة الإسلامية" التي أدرك الناس كلهم –من مسلم وكافر- أنها لن تظلم أحدًا، وتعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ.
وكان مبدأ "الحريات" مكفولا لكل أحد، ولكنَّهُ كان مهذَّبًا يليق بـ"كرامة الإنسان" و"قداسة الشريعة"، إذْ علم العقلاء من كل الطوائف والقوميات أن الحرية لها حدود إذا تجاوزتْها أضحتْ في خانة "البهيميَّة" و"الطاغوتية"، فالحرية لا تعني أن تظلم غيرك في عِرضه أو ماله أو جسده وتقول: أنا حر، ولا أن تتعدَّى على الخالق وأنبياء الله وتقول: أنا حر، ولا أن تهزأ بأحكام الخالق وتقول: أنا حر، كانت الشعوب المنضوية تحت راية الدولة الإسلامية شعوبًا متحضِّرةً تعرف ما لها من حقوق وما عليها من حدود!
إذا كان هذا المظهر الحضاريُّ يسمَّى علمانيَّةً فأنا "علمانيٌّ"! لأني أدرك –علمَ اليقين- أن الشعوب ستختار أحكام شريعتنا الإسلامية وتفضِّلها على كل الأحكام الوضعية الأخرى، إذ ليس في العقلاء من يرفض قانونًا يكفل له حقوقه بأتمِّ معنى الكلمة، يبقى الواجب على مَن نظنُّ فيهم خيرًا مِن الدعاة وحَمَلة "مشروع الأمة" أن يبيِّنوا للناس دِين ربِّهِمْ!
"العلمانيَّة الشريفة" هي التي تهذِّبُ العلاقة بين الناس، فما بال كثيرٍ مِن عُربان العرب حين "تعلمنوا" لم يكن من دلائل علمانيَّتهم سوى السخرية من قوميتهم العربية، ومن دين العرب، ومن تاريخ العرب؟!!! بل جعلوا مواقفهم الساخرة الهازئة تلك هي عقيدتهم الجديدة التي يسبِّحون بحمدها في الغدوِّ والآصال، ونسوا أن أوجب واجب عليهم هو الرُّقيُّ الفكريُّ وإعطاء نموذجٍ لامع عن الفكر الذي اعتنقوه حتى يكونوا قدوة للآخَرين، في الحقيقة لم تكن علمانيتهم سوى "انطلاقة نابض" كان يعاني من قوة الضغط ! فالمجتمع المنغلق الذي عاشوا فيه جعلهم يطيرون في الهواء دون مسار ثابت، فضاعوا في الفضاء الدامس!
إن تاريخ صحيفة "شارلي إيبدو" لا يعبر عن عراقة في التعلمن؛ وإنما عن انحطاط أخلاقيٍّ فظيع، في يومٍ من أيام نكبات أمتنا الإسلامية المجيدة؛ كانت هذه الصحيفة ترسم رسومًا ساخرة على ضحايا المسلمين في مجزرة "سربيرينتشا" التي قام بها الجيش الصربيُّ الهمجيُّ ضد إخواننا في البوسنة، كانت "شارلي" تغذِّي حياتَها بالاستهزاء من المظلومين! إنها "البهيميَّة" في أوضح صورها، إذ يدرك عقلاء الغرب أن "العلمانية لن تجعلك حيوانًا، لن تُجرِّدَكَ من إنسانيَّتك أبدًا!
لك الحق أن تقول إن "العرب المتعلمنة" –وهم النوع الرابع بعد البائدة والعاربة والمستعربة!!!- يتميَّزون بأنهم "نصف أمِّيِّين"، لأنهم حين أتوا على تعريف العلمانية قرأوا النصف وأعرضوا عن الباقي لخلل في الأذهان!

تعليقات