- "المقتضب" لأبي العبَّاس المبرِّد وشؤم الرواية!



- الغاية من علم النحو هي حفظُ اللسان عن الغَلَط في الكلام، وفهمُ كتاب الله وسنة رسوله -عليه السلام-، ويُكتَفَى منه بالقواعد التي تضبط أحكام العوامل والمعمولات، واختلاف الظواهر الإعرابية والحركات، دون الذهاب إلى معرفة العلل الثواني والثوالث التي يتكلَّف فيها نحاة البصرة -غالبًا- ومنهم شيخنا المبرِّد -رحمة الله عليه-، وقد كان وضع تأليفًا كبيرًا طويلا عريضًا سمَّاهُ -مع ذلك- "المقتضب"! وملأه بتعليلاتٍ واختباراتٍ نحويَّةٍ لا يسفيدُ منه الطالبُ إلا مضيعةَ الوقت، لأنه لن يجد مواضع مشابهةً لها في كلام العرب ولا حتى في كلام الرُّجَّاز والأعراب المُغْرِبين، ولذا يُنقَلُ عن أبي علي الفارسي اللغوي الشهير قولُهُ: " نظرتُ في كتاب (المقتضب) فما انتفعتُ منه بشيء إلا بمسألة واحدة..." -ذكرها-، وقال ابن حزمٍ في هذا الكتاب: "ومثلُ ما لا يحتاج إليه في هذا الفن المسائل الطوال التي أدخلها المبرد في صدر كتابه (المقتضب)" لأنه حسب رأيه: "لا تَرِدُ على أحدٍ أبدا لا في كتاب ولا كلام".
قلتُ:

ومن الأمثلة التي ذكرها المبرِّدُ في "مقتضَبِهِ" ما يلي:

1- سَرَّ دفعُكَ إلى المعطي زيدًا دينارًا درهمًا القائمَ في داره عمرٌو!

2- الضاربَ الشاتمَ المُكْرِمَ المُعطيَهُ درهمًا القائمُ في داره أخوك سوطًا أكرم الآكلُ طعامَهُ غلامُهُ زيدٌ عمرًا خالدٍ بكرًا عبدَ الله أخوك!

3- ظننتُ بناءَ الدار الساكنِها المعجبُهُ القائمُ عنده الذاهبُ إليه أخواه معجِبَا بكرٍ!

فهذه الأمثلةُ -يا صديقي- اخترعها المبرِّدُ ولم يطمثهنَّ إنسٌ قبله ولا جانٌّ، وليستْ إلا نموذجًا على ضحالة التعليم العربي في بعض مراحله، مع أنِّي لم أذكُرْ لكم التكلُّفَ الواضحَ في التوجيهات النحوية التي يقدِّمها المبرد -رحمه الله- لتعليل بعض المواضع الإعرابية، ومن اطَّلع على الجزء الأول فقط سوف يلمس ذلك بفظاعةٍ!!

وقد ذكر المحققان لكتابه عن بعض أهل العلم طُرفة في عدم انتشار هذا الكتاب؛ وهي أن الراويَ الوحيدَ له عن أبي العباس هو الزنديق ابن الرَّاوْنديُّ! قال: "فكأنه عاد عليه شؤمه فلا ينتفع به!".

وأخيرًا؛ "المقتضب" معناه "المختصر" ويقع في 4 أجزاء + الخامس للفهارس التي زادها المحققان -أجزل الله لهما المثوبة!!!-.

تعليقات