- الحفظ والفهم في ميزان العلم.

- "مَن حفظ المتون حاز الفنون"، مِن إفرازات عصر الانحطاط الثقافي في تاريخنا الإسلامي!
اتفق المحققون على أنه غيرُ واجب على طالب العلم أن يحفظ القرآن الكريم ولا بعضًا منه، بل استحبُّوا له أن يكون على اطلاع بمواضع الفقه من آيات الأحكام، وهي كما قال بعضهم: نحو 500 آية إلى 800 آية، من بين أكثر من 6000 آية قرآنية كريمة! فكيف يُلزِم بعضهم حفظ الألفيات والمئويات والمتون البشرية؟!
والعلم -كلُّ العلم- في الفهم، والمطالعة الذكية هي ثلث العلم بل ثلثاه -كما قال الإمام بشير الإبراهيمي-، ومن مال إلى الحفظ -فحسبُ- ضيَّع قوة الفهم، وحسبُنا من الحفظ مواضع الشاهد من الكلام، وعن كَثَبٍ رأيتُ مَن يركِّز على الحفظ متخلِّفًا عن البراعة في الاستنباط الفقهي والنحوي خصوصًا، ويكون مستواه في الإعراب أقلَّ من غيره، فهناك من يحفظ ألفية ابن مالك ويكاد يحفظ شرح ابن عقيل عليها؛ لا تكاد تراه يُعرب موضعًا في القرآن الكريم إلا إذا كان من محفوظاته!!
وابن رشد الحفيد الذكيُّ العبقريُّ ليس له محفوظٌ كبيرٌ، وكثيرًا ما ينقل الأحاديث بالمعنى، وأمَّا مَن برَّز في الحفظ من فقهاء أهل الحديث فإن كفَّة ذكائه قد رجَحتْ دون ريبٍ، وأبو جعفر ابنُ جرير الطبري وابن حزم والشافعي أمثلةً لامعةً على ذلك.
فالحفظ ليس هو الغاية ولا هو ميزان الترجيح، بل كما رُوي عن سيدنا علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه- أنه قال لمن سأله عمَّا اختصَّهم الله به؟ فقال: "..أو فهمًا يؤتيه الله رجلا مسلما في كتاب الله"، فهكذا كانت رؤية السلف للفقه والفقهاء، وبالله التوفيق!

تعليقات