- ابتلاء وعقاب؟

[وجهة نظر]

ألن نراجع هذه المفاهيم؟! مَن أخبرنا أن الله عاقب فلانًا فجعله يمرض أو يفتقر أو يموت أسوأ الميتات؟ ومَن أخبرنا أن الله ابتلى فلانا فجعله يمرض أو يفتقر أو يموت أسوأ الميتات؟ أليس ما نسمِّيه "عقابًا" هو نفسه ما ندعوه "ابتلاءً"؟! أليس "المرض والموت وفقد الحبيب والفقر والهزيمة" وغيرها مما نكرهُ؛ إلا شيئًا واحدًا تارةً نسمِّيهِ "عقابًا" إذا أردْنا أن نتشفَّى أو ننتقم أو نتظاهر بالصلاح أمام الآخر الذي نبغضُهُ ونرميه بالفساد؟ ثمَّ نسمِّيهِ "بلاءً" إذا نزل بمن نحبُّهم ونزعم أنهم صالحون ومن أهل الخير؟
وبالنصِّ قال ربُّنا سبحانه "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربُّهُ فأكرمه ونعَّمه فيقول ربِّي أكرمن، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن"، فالخالق سبحانه -وهو صاحب اللغة ومالك الأسماء- أنكر علينا أن نسمِّي التنعيم "إكرامًا"، وأن نسمِّيَ التضييق "إهانة"، فالنعم ليست كرامةً لأصحابها، والنقم ليست إهانة لذويها، وإنما الكرامة هي "التقوى" إذ يقول صاحب الدين "إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم"، وهذه الكرامة إنما هي عند الله وليست عندنا، ولا نملك من أمر الناس إلا ظاهر ما يبدو لنا منهم فنحسن بهم الظنَّ لما يبدو منهم من الصلاح، وبذا جاء النص في التنزيل الكريم حين يقول الواحد الأحد "إنَّ بعض الظنِّ إثمٌ".
فإن قال قائل: فما يحدث للكافرين من زلازل وفيضانات وكوارث وحروب فيما بينهم؛ أليست بالضرورة عقابًا ومحالٌ أن تكون ابتلاءً؟ فأقول:
نحن لا نختلف في أنَّ ما يحدث من ذلك هو ضررٌ يلحق بالإنسان، وإنما الخلاف فيماذا نسمِّيه؟ وتسميتك له بـ"العقاب" محضُ رجمٍ بالغيب، لأنَّه لا نصَّ عندك سوى العمومات التي لا يصحُّ إسقاطها على مُجريات الزمان، لأن الوحيد الذي يمكنه ذلك هو من أحاط بكل شيء علما، وهو الله سبحانه الذي جعل ما نزل بالأحزاب يومَ الخندق "عقابًا" لهم، وجعل ما نزل بالمؤمنين يوم حُنين "بلاءً" لهم، وجعل دخول مكة "فتحًا مبينًا"، وهو الذي وعد بانتصار الروم على فارس بعد هزيمتهم ووصف ذلك بقوله "وهم من بعد غَلَبهم سيغلبون في أدنى الأرض"، وجعل انتصارهم على فارس فرحة للمؤمنين، فهل لك أن تسمِّيَ انتصار أمركيا على روسيا فرحةً للمؤمنين؟!! إذا لم تتمكَّنْ من ذلك سوف تعلم حينها أنَّ هذه الأسماءَ من حقِّ الله سبحانه!

تعليقات