- لم
يكن عند العرب التعصب للأشخاص، كان عندهم عصبية قبلية سمَّاها رسول الله
-عليه السلام- "منتنة"، بل أطلق هذا الوصف على اسمين من أسماء شرعيَّة
لمَّا تمَّ توظيفهما لأغراض جاهلية، أعني: اسمي "المهاجرين والأنصار"، وقد
ذمَّ الله تعالى في محكم التنزيل كلَّ تسمية لم يأتِ بها من الله برهان،
فقال سبحانه (إنْ هي إلا أسماء سمَّيتموها أنتم وآباءكم ما نزل الله بها من
سلطان)، أي: ما نزَّل الله بها من عِلم -كما قال المفسرون-.
والتسمية المذمومة هي التي ترتبط بغرضٍ مذموم، لأن الله لم ينهَ عن الاصطلاحات ولا المَجازات، فتحصَّل أن الأسماء التي تفرِّق بين المسلمين داخلةٌ في الأسماء المذمومة بالنص.
والعرب الجاهليون كان الواحد منهم يعتزُّ بشخصه، ويأبى الضيم ولا يقبل أن يداس شرفه، وفوق ذلك: كانوا يعتبرون الانتماء إلى القبيلة منتهى الفخار، ولم يمنعْهم هذا أن يختلفوا فيما بينهم إذا احتاج الأمر إلى "تعدد الرأي"، بل قالوا في ذلك الأشعارَ الطويلة، وافتخروا بأنفسهم ومدحوا أصحاب الرأي فيهم.
لذا؛ هم لا يعرفون أبدًا التعصب للأشخاص! والناظر في تاريخهم الحافل؛ لن يجد رمزيَّةً معيَّنة لبعض الأشخاص، بالرغم من وفرة أهل العقل فيهم، ولم يعتبروا أقوال فلان: قاطعةً للخلاف، ولا مَدعاةً للولاء عليه، هذا أمرٌ ليس موجودًا عندهم مطلقًا، وربما لأجل هذا وعلى رأي بعض الدارسين للتاريخ الجاهلي – لم يُقيموا دولةً بالمعنى الحضاري،لأنها تقيِّد أفكارهم، وغاية ما انتظموا فيه تجمُّعاتٌ قد يكون لها الميل إلى بعض الجهات الخارجية، وهو ميلٌ يتلاشى إذا أضرَّ بالمصلحة القومية!!
وعلى كلٍّ؛ حين ظهر الإسلامُ دخلوا فيه أفواجًا لأنه موافقٌ لحُرِّيَّاتِـهم، بل: ومطهِّرٌ لها من بعض الرِّقِّ، وحصر الإسلامُ العصمةَ في النبيِّ لأنه مبلِّغٌ دينَ الله إلى أهل الأرض، وجعل مَن عداه من الأشخاص مُعَرَّضين للنقد دون أيِّ حدٍّ، فكان عمر بن الخطاب يناقش محمدًا –صلى الله عليه وسلم- في بعض القضايا التشريعية التي لم يتمَّ البتُّ فيها، فإذا نزل الوحيُ انقطع الخلاف، هذا فيما يخصُّ صاحب الرسالة -عليه السلام-، أما فيما بينهم فلا يزال الحوار قائمًا، والاعتراض ساريًا دون أيِّ استغراب منهم، لأنه حقٌّ طبيعيٌّ ضمنتْهُ الشريعة الإلهية.
ومضى على هذا الناسُ في القرون الثلاثة المفضَّلة... أي: مضى الناس في الاختلاف يقبل بعضُهم بعضًا، ولا ينزعجون من نقد فلان ولا خطإ عِلاَّن، لأنهم يؤمنون أن العصمة ذهبتْ بموت المقدَّس عليه السلام.
فبقيتْ الرمزية مختصة بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، لأن أقواله حجةٌ دون غيره، مستشردين في ذلك بقوله تعالى (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)، فلا حجة بعد الرسل!
وظهرت المذهبية بمعناها الجديد في القرن الرابع، وظهر التعصُّبُ للمذاهب والأشخاص، وغلا الأحناف في تقديس أبي حنيفة حتى ربما جعلوا أقواله حجة، وتأثرت المذاهب الأخرى بهذه الموجة المحبطة للمجهود العلمي الحضاري، ثم ظهر إقصاء الآخر في كلام الإمام أحمد بن حنبل، حين اختلف مع فقهاء السنة في مسألة القرآن، فكلُّ من وافقه في رأيه كان "من أهل السنة"، ومن خالفه فهو "من أهل البدعة والجهمية"، وتعصَّب كثيرٌ من أهل الحديث إلى أحمد لثباته على رأيه، ظانِّين أنه وقف سدًّا منيعًا في التيَّار المعتزلي، حتى قال بعضهم "لولا أحمد لتجهَّم المسلمون كلُّهم"، فأصبح أحمد بن حنبل رمزًا للإسلام وقالوا في ذلك "أنزل الدين على أحمد ونصره أحمد وجدَّده أحمد"، يعنون بهم: النبي –عليه السلام، وابن حنبل وابن تيمية!!!
فمن أنصف والتزم بالنظر الموضوعيِّ علم أنَّ الفكر الحنبلي هو الفكر الإقصائي الذي تلبَّسَ به كثيرٌ من أهل السنة وأهل الحديث والأشعرية وغيرهم، وليس المعنى: أن كل حنبليٍّ هو إقصائيٌّ، ولا أن كل إقصائيِّ هو حنبلي الفقه، والبينة على دعواي هي في قراءة كتب "العقائد" التي قد تسمَّى عند الوهابية الجدد "كتب المنهج"، وهي مؤلفات في عقيدة أحمد بن حنبل وأنها هي عقيدة الصحابة والإسلام وأن من حاد عنها فهو مبتدع ضال جهميٌّ، وحتى يطمئنَّ القارئ: أُعْلِـمُـهُ بأنهم طعنوا في: إمام الحديث أبي زكريا يحيى بن معين وفي إمام الأئمة أبي بكر ابن خزيمة، وفي أستاذ المحدِّثين البخاري، وفي الإمام أبي حاتم ابن حبان، وفي الإمام الفقيه داود بن علي الظاهري، وفي الفقيه المفسِّر أبي جعفر ابنِ جريرٍ الطبريِّ، وقد انتقد الإمام الذهبيُّ في تواريخه أصحاب هذا الفكر الإقصائيِّ وله كلماتٌ ذهبيَّة في تسفيه رأيهم والدفاع عن علماء الإسلام.
والتسمية المذمومة هي التي ترتبط بغرضٍ مذموم، لأن الله لم ينهَ عن الاصطلاحات ولا المَجازات، فتحصَّل أن الأسماء التي تفرِّق بين المسلمين داخلةٌ في الأسماء المذمومة بالنص.
والعرب الجاهليون كان الواحد منهم يعتزُّ بشخصه، ويأبى الضيم ولا يقبل أن يداس شرفه، وفوق ذلك: كانوا يعتبرون الانتماء إلى القبيلة منتهى الفخار، ولم يمنعْهم هذا أن يختلفوا فيما بينهم إذا احتاج الأمر إلى "تعدد الرأي"، بل قالوا في ذلك الأشعارَ الطويلة، وافتخروا بأنفسهم ومدحوا أصحاب الرأي فيهم.
لذا؛ هم لا يعرفون أبدًا التعصب للأشخاص! والناظر في تاريخهم الحافل؛ لن يجد رمزيَّةً معيَّنة لبعض الأشخاص، بالرغم من وفرة أهل العقل فيهم، ولم يعتبروا أقوال فلان: قاطعةً للخلاف، ولا مَدعاةً للولاء عليه، هذا أمرٌ ليس موجودًا عندهم مطلقًا، وربما لأجل هذا وعلى رأي بعض الدارسين للتاريخ الجاهلي – لم يُقيموا دولةً بالمعنى الحضاري،لأنها تقيِّد أفكارهم، وغاية ما انتظموا فيه تجمُّعاتٌ قد يكون لها الميل إلى بعض الجهات الخارجية، وهو ميلٌ يتلاشى إذا أضرَّ بالمصلحة القومية!!
وعلى كلٍّ؛ حين ظهر الإسلامُ دخلوا فيه أفواجًا لأنه موافقٌ لحُرِّيَّاتِـهم، بل: ومطهِّرٌ لها من بعض الرِّقِّ، وحصر الإسلامُ العصمةَ في النبيِّ لأنه مبلِّغٌ دينَ الله إلى أهل الأرض، وجعل مَن عداه من الأشخاص مُعَرَّضين للنقد دون أيِّ حدٍّ، فكان عمر بن الخطاب يناقش محمدًا –صلى الله عليه وسلم- في بعض القضايا التشريعية التي لم يتمَّ البتُّ فيها، فإذا نزل الوحيُ انقطع الخلاف، هذا فيما يخصُّ صاحب الرسالة -عليه السلام-، أما فيما بينهم فلا يزال الحوار قائمًا، والاعتراض ساريًا دون أيِّ استغراب منهم، لأنه حقٌّ طبيعيٌّ ضمنتْهُ الشريعة الإلهية.
ومضى على هذا الناسُ في القرون الثلاثة المفضَّلة... أي: مضى الناس في الاختلاف يقبل بعضُهم بعضًا، ولا ينزعجون من نقد فلان ولا خطإ عِلاَّن، لأنهم يؤمنون أن العصمة ذهبتْ بموت المقدَّس عليه السلام.
فبقيتْ الرمزية مختصة بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، لأن أقواله حجةٌ دون غيره، مستشردين في ذلك بقوله تعالى (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)، فلا حجة بعد الرسل!
وظهرت المذهبية بمعناها الجديد في القرن الرابع، وظهر التعصُّبُ للمذاهب والأشخاص، وغلا الأحناف في تقديس أبي حنيفة حتى ربما جعلوا أقواله حجة، وتأثرت المذاهب الأخرى بهذه الموجة المحبطة للمجهود العلمي الحضاري، ثم ظهر إقصاء الآخر في كلام الإمام أحمد بن حنبل، حين اختلف مع فقهاء السنة في مسألة القرآن، فكلُّ من وافقه في رأيه كان "من أهل السنة"، ومن خالفه فهو "من أهل البدعة والجهمية"، وتعصَّب كثيرٌ من أهل الحديث إلى أحمد لثباته على رأيه، ظانِّين أنه وقف سدًّا منيعًا في التيَّار المعتزلي، حتى قال بعضهم "لولا أحمد لتجهَّم المسلمون كلُّهم"، فأصبح أحمد بن حنبل رمزًا للإسلام وقالوا في ذلك "أنزل الدين على أحمد ونصره أحمد وجدَّده أحمد"، يعنون بهم: النبي –عليه السلام، وابن حنبل وابن تيمية!!!
فمن أنصف والتزم بالنظر الموضوعيِّ علم أنَّ الفكر الحنبلي هو الفكر الإقصائي الذي تلبَّسَ به كثيرٌ من أهل السنة وأهل الحديث والأشعرية وغيرهم، وليس المعنى: أن كل حنبليٍّ هو إقصائيٌّ، ولا أن كل إقصائيِّ هو حنبلي الفقه، والبينة على دعواي هي في قراءة كتب "العقائد" التي قد تسمَّى عند الوهابية الجدد "كتب المنهج"، وهي مؤلفات في عقيدة أحمد بن حنبل وأنها هي عقيدة الصحابة والإسلام وأن من حاد عنها فهو مبتدع ضال جهميٌّ، وحتى يطمئنَّ القارئ: أُعْلِـمُـهُ بأنهم طعنوا في: إمام الحديث أبي زكريا يحيى بن معين وفي إمام الأئمة أبي بكر ابن خزيمة، وفي أستاذ المحدِّثين البخاري، وفي الإمام أبي حاتم ابن حبان، وفي الإمام الفقيه داود بن علي الظاهري، وفي الفقيه المفسِّر أبي جعفر ابنِ جريرٍ الطبريِّ، وقد انتقد الإمام الذهبيُّ في تواريخه أصحاب هذا الفكر الإقصائيِّ وله كلماتٌ ذهبيَّة في تسفيه رأيهم والدفاع عن علماء الإسلام.
تعليقات
إرسال تعليق