- شهر أوت

- شهر أوت لم يرحل عنا.
بطيء الخطى كأنه لا يريد أن يتحرَّك.
وأحيانا أصادفه على حافة الطريق مستلقيًا على ظهره.
بل أجده في بعض الأوقات نائمًا مستغرقا في نومه،
فأوقظه فلا يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس.
شهر أوت –هنا- ثقيلٌ لا يأبه لمشاعرنا.
وأحيانا أخرى؛ أشكُّ في نواياه حقيقةً !!!
فربَّما لا يريد الرحيل تمامًا كسلاطين بني يعربَ، فقد قيل (الأيام على دين ملوكها)...
أو يريد الاستيلاء على خريفنا وشتائنا وربيعنا، لكنَّه لمَّا سمع هذا قال لي بكلِّ صراحة وبملءِ فيه الأبخَرِ: وهل عندكم أربعة فصول في بلادكم حتى تُزايدَ عليَّ؟
شعرتُ بالخجل حينها، فهو يستعمل الحقائق ليفرض نفسه، ولم يدرِ أنَّ شرار أئمتنا الذين نبغضهم ويبغضوننا، صرخَ في وجهي بابتسامة ثقيلة جدًّا وقال: أنا لا أبغضكم.
جرَّبتُ مرَّةً أن أدفعه كما يدفع الناس عندنا السيارات القديمة؛ فكان أن ضمَّني إلى صدره، حتى شعرتُ بالقيء.
كنتُ أطَّلع على الشَّهْرِيَّة التي يسجِّلون فيها الأشهر الدوَّارة، لأكتشف في ظرفٍ وجيزٍ أن شهر أوتَ لا يدور، بل كما يقول إخواننا الشاميُّون (يْراوَحْ مكانو)، ومشكلته أنه يحبُّ ذلك، فمثلاً: 26 أوتَ مكثتُ نحوَ 3 أيَّامٍ وأنا أراها !!! وبعد ذلك حلَّ علينا اليوم الـ 27، ثم لحقتْ به الأيام، والحقيقة أنَّ بعض الليالي لا تأتي إلا بعد الظهيرة من اليوم التالي، وهذا ما يؤرِّقني.
فضَّلتُ أن أنام معه على الأرصفة، مرَّتْ بقربنا فتاةٌ جميلة لكنها مغرورة، كأنها تمشي بصحبة (مارس)، فقلتُ لها: ما أجملك، فقالت لي على البديهة: قل لي من صاحبك؟ أقل لك من أنت؟
وهكذا مرَّتْ سنواتٌ أخرى؛ لأجد نفسي معها نصاحب شهر أوت، لا شكَّ أنَّ في قلبها حسرةً وندامةً.
لا يزال هذا الشهر يفضِّل البقاء معي وإياها.
((كُتِبَ هذا في فجوةٍ طويلةٍ حصلتْ بين النهار والليل.))

تعليقات