- من كلام أبي عثمان الجاحظ في الدفاع عن السيدة عائشة عليها السلام:
_________________________
"وقالوا: وقع بين حيَّيْن من قريش منازعة، فخرجت عائشة أم المؤمنين رضي
الله عنها على بغلة، فلقيها ابن أبي عتيق، فقال: إلى أين جُعلْت فداك؟
قالت: أُصلح بين هذين الحييَّن. قال: والله ما غسلنا رءوسنا من يوم الجمل،
فكيف إذا قيل: يوم البغل! فضحكتْ وانصرفت.
هذا - حفظك الله - حديثٌ
مصنوع، ومن توليد الرَّوافض، فظنَّ الذي ولّد هذا الحديث، أنه إذا أضافه
إلى ابن أبي عتيق، وجعله نادرةً ومُلحة، أنه سيشيع، ويجري عند الناس مجْرى
الخبر عن أمّ حبيبة وصفيّة. ولو عرف الذي اخترع هذا الحديث طاعةَ الناس
لعائشة - رضي الله عنها - لما طمع في جواز هذا عنه.
وقال عليّ بن أبي
طالب - كرم الله وجهه -: " مُنيتُ بأربعة: مُنيت بأشجع الناس، يعني
الزُّبيْر؛ وأجود الناس، يعني طلْحة؛ وأنضّ الناس، يعني يعْلى بن مُنْية؛
وأطوع الناس في الناس، يعني عائشة ".
ومن بعد هذا، فأيُّ رئيس قبيلٍ من
قبائل قريش كانت تبعث إليه عائشة - رضي الله عنها - رسولاً فلا يُسارع، أو
تأمره فلا يُطيع، حتى احتاجت أن تركب بنفسها؟ وأيّ شيء كان قبل الركوب من
المراسلة والمراوضة والمُدافعة والتقديم والتأخير، حتى اضطرَّها الأمر إلى
الرُّكوب بنفسها؟ وإنّ شرّاً يكون بين حيَّيْن من أحياء قريش، تفاقم فيه
الأمر، حتى احتاجت عائشة - رضي الله عنها - إلى الركوب فيه، لعظيم الخطر،
مُستفيض الذِّكر؛ فمن هذا القبيلان؟ ومن أيّ ضرْبٍ كان هذا الشرّ؟ وفي أيّ
شيءٍ كان؟ وما سببه؟ ومن نطق من جميع رجالات قريش فعصوه وردُّوا قوله، حتى
احتاجت عائشة فيه إلى الركوب؟ ولقد ضربوا قواديم الجمل، فلما برك ومال
الهودج صاح الفريقان: " أُمَّكم! أُمَّكم ".
فأمر عائشة أعظم، وشأنها
أجلّ، عند من يعرف أقدار الرجال والنساء، من أن يُجَوِّز مثل هذا الحديث
المولَّد، والشرّ المجهول، والقبيلتين اللتين لا تُعرفان.
والحديث ليس
له إسناد؛ وكيف وابن أبي عتيق شاهدٌ بالمدينة، ولم يعلم بركوبها، ولا بهذا
الشرّ المتفاقم بين هذين القبيلين؟ ثم ركبتْ وحدها، ولو ركبتْ عاثشة لما
بقي مُهاجريّ ولا أنصاريّ، ولا أمير ولا قاضٍ إلاّ ركب! فما ظنُّك
بالسُّوقة والحُشْوة، وبالدَّهْماء والعامّة.
وما هو إلاّ أن ولّد أبو
مخْنف حديثاً، أو الشَّرْقيُّ بن القُطاميّ، أو الكلبيّ، أو ابن الكلبيّ،
أو لقيط المُحاربيّ، أو شوْكرٌ أو عطاءٌ الملط، أو ابن دأْب، أو أبو الحسن
المدائنيّ ثم صوَّره في كتابٍ، وألقاه في الورَّاقين، إلاّ رواه من لا
يحصِّل ولا يثبِّت ولا يتوقف. وهؤلاء كلّهم يتشيَّعون.
وكان يونس بن حبيب يقول: " يا عجبا للناس، كيف يكتبون عن حمّاد وهو يصحِّف ويكذب ويلحن ويكسر "!.
(كتاب البغال: 167 - 169)
تعليقات
إرسال تعليق