تأملتُ
في حال العامة في قصة علي بن حزم القرطبي وسليمانَ بن خلفٍ الباجي؛ فقد
ثاروا على الأوَّل حين صدع بالقول بالظاهر، وأتوا بالآخَر ليقطع عنه سبيله،
فلما تلاشى أمرُ ابن حزمٍ -ومات في باديته مُشرَّدًا منفيًّا- ورَأَسَ أبو
الوليد وشاع أمره وتقرَّب إليه المُلاَّكُ؛ ثم حدث ما حدث من قوله في
كتابة النبي -عليه السلام- حتى ثارت العامة وقلبوا عليه الأمور واتهموه في
دينه ورموه بالزندقة وبالغوا كل المبالغة!!! فما كان أمرهم غيرَ هرج مرج!
ولا أعني بالعامة: المشتغلين بالرياضات والمتتبعين للصيد وأصحابَ السوق
والمحلاَّت وعشاقَ الملاهي وأضرابَهم، بل أريد: البطَّالين ممن ليس لهم
شغلٌ بعد نَهَم الدنيا سوى حشر أنوفهم في كل خطْبٍ، وإقحام أنفسهم في كل ما
يعرو الأمة من نازلة، فيَبغون شيوع قولهم وانتشار رأيهم بين الناس، وأن
فلانا قد تحدَّث في كذا وأُخذ برأيه، وهؤلاء ممن قال فيهم الحكماء: يُفسد
الديانةَ أنصاف الفقهاء، ويُهلك الأبدانَ أنصاف الأطبَّاء، وصفتهم: أن
يضربوا في كلِّ مقامٍ بسهمٍ من الثرثرة، وفي كل حدثٍ بذَنوبٍ من الذُّنوب،
لا يهدأ بالهم إلا بالمشاركة، ولا يطمئنون بالراحة والهدأة إلا ويشرعون في
بلبلة الأذهان بقُلامات أفكارهم، فبهم تسقط هيبة العلماء بين الناس،
وتنهدُّ الإمارة الصحيحة.
تعليقات
إرسال تعليق