- كنا مُكْتَظِّينَ في الحافلة؛ لا لكثرة ولا لكن لأنها ضيقة بما فيه الكفاية لاشتمام كل الروائح.
تجلس أمامي فتاةٌ مرونقةٌ، وعن يسارها وقُدَّامَها [هذه كلمة فصيحة]
شيخان؛ أحدهما: طاعنٌ في السنِّ، فأما الذي قُدَّامها فجعل يلتفتُ إلى
الوراء حتى يسرق بعض النظرات الطويلة، طولَ أنفاس أهل البادية، وينادي بعض
معارفه –ممن يجلس قربي- حتى يَسُوغَ له رؤيتها بوضوح، وأما الذي عن يسارها
فما استحيى أن يثبت أعينه الغائرة في جسمها المنساب، بَآبِيـهِ التي تكاد
تجمد بجفاف مائهما؛ يصعدان وينزلان عبر ذلك الجسم الأنثوي، كنتُ أطلُّ من
نافذة البيس لأرى صحراء قفرًا لا حياة فيها بالمرَّة، سوى نبات الشيح
الفوَّاح برائحة التراب القديم، فإذا حوَّلتُ رأسي إلى الداخل وجدتُ شيخينا
كشباب الحارة: يرمقان المارَّة [مؤنث مارٍّ]، لم آلُ جُهدًا حين اكتشفتُ
أنَّ الذي عن يسارها –وهو الطاعن في السنِّ- يصطحب زوجته التي هي على ما
يبدو طاعنة كذلك! ولكنَّ الذي أبهرني –ليس جمال الفتاة التي أمامي؛ فهي
مُقرِفة إلى أبعدِ حدٍّ-؛ وإنما أبهرتْني عينُ تلك العجوز التي تلمح زوجها
–الشيخَ الفانيَ- وهو مشغول بتلك الشابَّة، ويْكأنَّهُ يُريدُها لنفسه لا
لولده! لعنه الله مِن شيخٍ لا رفع الله عنه همًّا، ولا نحَّى عنه غمًّا،
يكاد هذا يكون لسان حال تلك العجوز البائسة، وفي غفلة من الزمن؛ عثرتُ على
حقيقة تاريخية عظمى:
حربُ النِّساء لا تهدأ، وللتوِّ –بعد طيِّ الزمن- كشفتْ عن ساقها!!
كانتْ آخرَ كلمة قالها الطاعن: لي ثمانون عامًا وأنا أمرُّ على هذا (الفيلاج)؛ فما رأيتُ فيه شيئًا ذا بال...
أما أنا؛ فحين سمعتُ منه ذلك فقد كبَّرتُ أربعًا –من غير حنيِ الظهور-
وزدتُّها خمسًا -في قول بعض الأصحاب-، وبكيتُ على شيخوختي اليانعة، ويا
ويلها إذا نزحتْ!!!
تعليقات
إرسال تعليق