(الأركيد)
جرى بحدائق السلطان وادٍ ... مَريجٌ فيه ألوان الزهورِ
وقد جلس الأميرُ على بساطٍ ... يُمتِّع ناظِريْهِ بالحبور
فلاح له من الأُركيد زَهْرٌ ... يخاصمُ نرجسَ القلبِ الغَرور
يقول له: أما ترعَى جوارًا ... لنا، وأنا صديقُكَ في الدهور؟
فقال النرجسُ المسكينُ: كلاَّ ... أنا السلطان في كل العصور
وليس لزهرة الأركيدِ سحرٌ ... كسحري، إنني مولى السُّفور
فردَّ عليه: لا يغررْك قولٌ ... فإن الشائعاتِ من الغرور
وإن ترضى فإن بسنتَ تقضي ... على المتخاصمين بغير جُور
وكانت في حديقتهم بسنتٌ ... محكَّمةَ القرار بلا دحور
فقالت: بيننا الدستور حتى ... لِيرضَى كلُّ زهرٍ بالأمور
فراح النرجسُ المغرورُ يحكي ... بطولاتِ المزارع والقصور
وأن نباته في كل أرضٍ ... وأن جماله وجهُ البدور
وأن النرجسيةَ ليس داءً ... ولكنْ حالةَ البطل الهَصور
وأن الناس يقتبسون مني ... أساميَ للبناتِ على سرور
وذا الأركيدُ مغمورٌ ضعيفٌ ... وأزهاري تعالتْ بالأجور
فقالت زهرة الأركيد: رفقًا ... عليكِ، فلي جوابٌ ذو حضور
هما صفتان طيِّبتان فينا ... حكاها الناس في الخبر الجَهور
فكُنْفُشْيوسُ سمَّانا قديمًا ... عُطورَ المُلْك مِن وصفٍ فخور
وأن روائح الأركيد كانت ... لدى الأمراء من أزكى العطور
فقالت بعدما سمعتْ بسنتٌ ... لنا فصلُ القضاء بلا نُفور
أقول الحقَّ لا أخشى ملامًا ... وليس على الحقيقة مِن ثُبور
قضيتُ بأن أفضلكمْ وُرودًا ... هو الأركيدُ معشوقُ الطيور
تضوَّع رِيحُهُ كالمسكِ فينا ... أنيقُ اللون ذو قلبٍ غَيور
تَرى زهراتِهِ ملأى حياةً ... تقيك إذا أُصبتَ مِن الفُتورِ
ويا خَجَلاً على الأركيد غَشَّى ... تورَّد خدُّهُ بين الزهور
وعانق زهرةَ البيسون لمَّا ... دنتْ منه ليهنأ بالسرور
وظلاَّ في عناقٍ والتثامٍ ... على زَخَّاتِ غيثٍ مِن غَفورِ
وسُلَّ على عناقهما ظلامٌ ... فما أحدٌ درى بين السطور!!!
متكئًا على ذراع منتصف الليل: 25- 11- 2013
الطيب صياد
تعليقات
إرسال تعليق