الفضل - بعد الله - يرجع إلى شيخنا ابن تميم الظاهري حفظه الله و شفاه:
( http://www.aldahereyah.net/forums/showthread.php?t=1195 )
ملاحظة: لفد صحَّحتُ كلمة رأيتُ أنها خطأ و هي ( من ادَّعى ..) و أصلها في الموقع المذكور ( من دواعي )
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مسألة ذكرها الإمام ابن عقيل الظاهري في كتابه ( من أحكام الديانة ) من صفحة 316-330 قد نسختها وأحلت إلى الصفحة من الكتاب، ففي كل نهاية ورقة أضع هامش.
قال أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري - حفظه الله - :
المسألة الثامنة عشر: العبرة بثبوت رؤية الهلال للصوم والفطر والحج:
هل توجد ليلة آخر الشهر لا يمكن أن يُرى فيها الهلال، ويكون من ادَّعي رؤية الهلال واهماً أو كاذباً ؟
هذا علم لا أفقهه، وقد تحمس له أخي الدكتور أحمد بن عبد العزيز اللهيب، وهو أدرى [به مني ] (1).
وإنما هدفي أن يتبصر ذوو العلم المادي الحسي وذوو العلم الشرعي في اجتماع ينتهون فيه إلى قناعة بأن مثل تلك الليلة توجد، أو لا توجد (2) أعني الليلة التي يترأى الناس فيها الهلال، ويقول العلم المادي: لا يمكن أن يُرى الهلال فيها.
فإن اقتنع علماء الشريعة أن نفي رؤية الهلال في تلك الليلة قائم على براهين حسية يقينية أو راجحة، أو بشكل أغلبي: فتراعى تلك البينات في وزن شهادة شهود الرؤية، وذلك أنه لا اجتهاد لنا في تغيير العلامة التي نصبها الشرع، وهي: الرؤية.
ولنا اجتهاد في وزن بينات الرؤية ؛ لأن معرفة العدالة ، والثقة بعلم الناقل، ومعرفة البينة الحسية: مما فوّضه الشرع إلى عقولنا، ومداركنا.
وحسبي أيضاً أن أنبه إلى أمور يجب أن يراعيها المتنازعون في هذه المسألة حتى لا يأخذ الهوى والعصبية والعناد مأخذهما من أحد منهم ؛ لأن الشيطان حريص، وموالجه خفية.
وهذه المسألة لي بها عناية منذ ستة وعشرين عاماً، فخلال عاميْ 1388-1389 هـ نشرت لي بحوث بجريدتي ( البلاد ) و ( الندوة ) عن مسائل الهلال، ونشرتها عام 1399 هـ، بكتيب بعنوان ( مسائل الهلال ) صدر عن دار الوطن، وكانت المسألة الثالثة بعنوان: ( إنما يعرف الهلال بالرؤية، لا بالحساب والعدد ).
وقد قلت في هذه المسألة: ولو أن علم الهيئة يرشدنا إلى أن (3) الشهر يهل هذه الليلة – أخذاً باليد – لم يكن من الجائز أن نعتبر غير الرؤية، أو إكمال العدة، لنص الحديث.
وإذا قضى النص بمراعاة الرؤية، فقد قضى نص آخر ( بتعريضه ) أن لا يراعى غيرها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ( إنا أمة أمية، لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا، وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين ).
ففي هذا النص التعريض بالحساب أنه لا يلزم الأمة تعلمه لإثبات الأهلة، وفي هذا النص مع نص الرؤية التيسير على الأمة الأمية لتعمل بالرؤية، ولتعلم أن الشهر لا يزيد على ثلاثين، ولا ينقص عن تسع وعشرين.
قال أبو عبد الرحمن: وفرق بين قول: ( لا يلزمنا تعلم الحساب ) وبين قول: ( لا يلزمنا علم الحساب إذا تعلمناه فكان يقيناً حسياً ) فالقول الأخير لا أقول به.
قال الحافظ ابن حجر عن هذا الحديث: [ فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير، واستمر الحكم في الصوم، ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً، ويوضحه قوله في الحديث الماضي: ( فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) ولم يقل فسلوا أهل الحساب ].
قال أبو عبد الرحمن: هذا صحيح، فلا نعمل بالحساب من غير رؤية، ولكن لا نعمل برؤية يدفعها الحساب، إذا كان الحساب حسياً (4) يقينياً؛ لأن الرؤية تخطئ، وإنما العصمة للشرع، والشرع إنما يعلق برؤية مسلم، ثبتت عدالته، وأنه غير واهم.
وفي الأيام الأخيرة رأيت مباحث نفيسة للدكتور أحمد بن عبد العزيز اللهيب عن مسألة الحكم برؤية الرائي لإمكانها، وعدم الحكم بها لإحالتها.
ولم أكتف بقراءة ما كتبه، بل استوضحته على رؤوس الملأ مراراً لأعرف مقصده، وفي الوقت نفسه رأيت نصاً للشيخ صالح الفوزان يقول: ( فمن جاء بشيء يزعم أنه يعلم به دخول الشهر غير ما بينه الشرع فقد عصى الله ورسوله، كالذي يقول: إنه يجب العمل بالحساب في دخول شهر رمضان ).
ورأيت بيد الدكتور اللهيب ورقة يقول إنها من تقرير الشيخ محمد الصالح العثيمين عن الحالة التي لا يقبل فيها شهادة الرائي لكون المشهود عليه غير ممكن، قال: ( من زعم أن الشمس يمكن أن تطلع قبل الفجر ).
قال أبو عبد الرحمن: وبناء على كل ما سبق سرده، ونظراً إلى أن الشحناء عظمت حول هذه المسألة مع أنها من مسائل الفروع – أي من الخلاف في المسائل العلمية التي لا يستبشع فيها الخلاف – ونظراً أيضاً إلى أنه كثر في الآونة الأخيرة انتقاد بعض الصحف العربية للمنهج الشرعي الذي سلكته المملكة في إثبات الأهلة تصريحاً تارة (5) ، وتلميحاً تارة، ونظراً إلى أن الساكت عن الإدلاء بالحق حال قدرته عليه شيطان أخرس: فإنني مدلٍ بدلوي حول ما أعتقده في المسألة، لعل المختلفين يراعون فذلكاته حال النزاع، ولأن المتعبد لله بعلمه لا يلجمه عن الحق خوف ضياع مكانته الشعبية عند عوام الجمهور، أو مكانته الخاصة عند ولاة الأمر، وتلك الفذلكات كالتالي:
1- لو صام المسلمون، أو أفطروا، أو وقفوا بعرفة بناء على توثيق القضاء الشرعي لرؤية الرائين، ثم ثبت بعد ذلك بيقين حسي قاطع أن الرؤية خاطئة أو مدعاة، وأن واقع الهلال بخلاف الرؤية: فلا غضاضة ولا حرج.
لأنه لا فرق بين صوم اليوم الأول من الشهر الذي يظن أنه الثلاثون، من الذي قبله، أو اليوم الثلاثين الذي ين أنه الأول من الشهر الذي بعده، ولا فرق في هذا كله إلا باعتبار الشرع، وإذا قرر القضاء إثباتاً شرعياً أمضاه أهل الحل والعقد كان ذلك اعتباراً شرعياً، وإن كان دليله الحسي ظنياً، أو ثبت فيما بعد بطلانه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( صومكم يوم تصومون وأضحاكم يوم تضحون ) قضى بجمع الكلمة على المسلك الشرعي؛ لأن الجماعة المسلمة لا ينبغي لها أن تصوم وأن تضحي إلا وفق مسلك شرعي، ومن تلك المسالك: ثبوت شهادة العدول.
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحاح: ( صوموا (6) لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وقال: ( إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا ).
قال أبو عبد الرحمن:ولهذين النصين الصحيحين فلا وجه عندي لمن فرق بين مدلولي: صوموا لرؤية الهلال بمعنى حين إمكان رؤيته، وصوموا لرؤيتكم إياه.
قال أبو عبد الرحمن: بل قوله صلى الله عليه وسلم: ( لرؤيته ) في معنى: ( لرؤيتكم إياه ) لأن الهلال محل الرؤية.
إما كون الهلال تلك الليلة محالة رؤيته، وإما كون رؤية بعضنا معرضة للخطأ، أو للكذب، فتلك مسألة أخرى، لها حكمها بدليل آخر غير التعليق بالتفريق بين: رؤيته، ورؤيتكم.
وهذا الفرق معقول لغة، ولكنه ملغى شرعاً بإناطة الحكم برؤية الجماعة في قوله صلى الله عليه وسلم: ( رأيتموه ) وإذا أمضى أهل الحل والعقد رؤية بعضنا: لزمت جميعنا، فأصبحت رؤية لنا كلنا.
3- الذي حققته من أخي الدكتور اللهيب محادثة وقراءة أنه لا يدعو إلى إثبات دخول الشهر بالحساب، وإنما يدعو إلى مراعاة الأمور الحسية اليقينية عند تزكية الشهود، وإرادة العمل بشهادتهم، ودعا إلى ملاحظة أن شهادة الشهود إحدى طرق الإثبات، وليست وسيلتنا لإثبات الرؤية شهادة الشهود فحسب، بل نعمل (7) بأقوى البينات الشرعية وشهادة الشهود من عرض البينات؛ لقول عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: ( ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم، وإنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانكسوا لها فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين، فإن شهد شاهدان: فصوموا وأفطروا ) رواه النسائي، وأحمد، والدارقطني، وزاد أحمد: ( مسلمان ) وزاد الدارقطني: ( ذوا عدل ) كل ذلك عن إرواء الغليل.
إذن: إنما الدعوة إلى العمل بالرؤية، وإنما المطلوب تمحيص من تقبل رؤيته بمراعاة البينات الحسية القطعية.
4- البينات الحسية القطعية التي تراعى كما تراعى شهادة الشهود ذكرها العلماء، كالقرطبي، والشاطبي، وابن تيميه، وابن القيم الجوزية، والسبكي، وهو أكثر من فصّل في ذلك، وغيرهم، وكل ذلك ذكره أخي اللهيب.
قال أبو عبد الرحمن: شيخ الإسلام فرق بين معرفة الكسوف والخسوف بالحساب، وعدم معرفة الهلال بذلك، فربما استبعد مستبعد أن يكون شيخ الإسلام يذهب إلى حالة يُعرف بالحساب امتناع رؤية الهلال فيها.
قال أبو عبد الرحمن: بل الحكم في تلك الحالة هو مذهب شيخ الإسلام، وعليه صريح كلامه، وقد استثناه من عموم مذاهب أهل الحساب (8).
قال رحمه الله: ( فاعلم أن المحققين من أهل الحساب كلهم متفقون على أنه لا يمكن ضبط الرؤية بالحساب، بحيث يحكم بأنه يرى لا محالة، أو لا يرى ألبتة، على وجه مطرد، وإنما قد يتفق ذلك، أو لا يمكن بعض الأوقات، ولهذا كان المعتنون بهذا الفن من الأمم: [ الروم ، والهند ، والفرس، والعرب ، وغيرهم مثل بطيلموس، الذي هو مقدم هؤلاء، ومن بعدهم قبل الإسلام، وبعده ] لم ينسبوا إليه في الرؤية حرفاً واحداً، ولا حدّوه كما حدوا اجتماع القرصين، وإنما تكلم به قوم منهم في أبناء الإسلام مثل كوشيار الديلمي، وعليه وعلى مثله يعتمد من تكلم في الرؤية منهم، وقد أنكر ذلك عليه حذاقهم مثل أبي على المروذي القطان وغيره، وقالوا: إنه تشوف بذلك عند المسلمين، وإذا فهذا لا يمكن ضبطه ).
ولما بين أن الكسوف والخسوف يعلمان بالحساب، نفى أن يعلم الهلال بذلك على الإطلاق، بل في حالة واحدة، فقال: ( وأما الإهلال فلا له عندهم من جهة الحساب ضبط؛ لأنه لا يضبط بحساب يعرف، كما يعرف وقت الكسوف والخسوف، فإن الشمس لا تكسف في سنة الله التي جعلا لها إلا عند الاستسرار إذا وقع القمر بينهما وبين أبصار الناس على محاذاة مضبوطة، وكذلك (9) القمر لا يخسف إلا في ليالي الإبدار على محاذاة مضبوطة، لتحول الأرض بينه وبين الشمس، فمعرفة الكسوف والخسوف لمن صح حسابه مثل معرفة كل أحد أن ليلة الحادي والثلاثين من الشهر لا بد أن يطلع الهلال، وإنما يقع الشك ليلة الثلاثين، فنقول: الحاسب غاية ما يمكنه إذا صح حسابه أن يعرف مثلاً أن القرصين اجتمعا في الساعة الفلانية، وأنه عند غروب الشمس يكون قد فارقهما القمر إما بعشر درجات مثلاً، أو أقل، أو أكثر، والدرجة هي جزء من ثلاثمائة وستين جزءاً من الفلك، أما كونه يُرى، أو لا يُرى فهذا أمر حسي طبيعي، ليس هو أمراً حسابياً رياضياً، وإنما غايته أن يقول: استقرأنا أنه إذا كان على كذا وكذا درجة يرى قطعاً، أو يرى قطعاً، فهذا جهل وغلط، فإن هذا لا يجري على قانون واحد، لا يزيد ولا ينقص، في النفي والإثبات، بل إذا كان بعده مثلاً عشرين درجة فهذا يرى ما لم يحل حائل، وإذا كان على درجة واحدة فهذا لا يرى ).
وما أحال إليه شيخ الإسلام من أمر الخسوف والكسوف علم لا كهانة، قال رحمه الله: ( الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة، كما (10) لطلوع الهلال وقت مقدر، وذلك ما أجرى الله عادته بالليل والنهار والشتاء والصيف، وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر، وذلك من آيات الله تعالى كما قال تعالى: { وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون } وقال تعالى: { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب وما خلق الله ذلك إلا بالحق } وقال تعالى: { والشمس والقمر بحسبان } وقال تعالى: { فالق الإصباح جعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم } وقال تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } وقال تعالى:{ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم } وقال تعالى: { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم ملمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون } وكما أن العادة التي أجراها الله تعالى أن الهلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر أو ليلة إحدى وثلاثين، وأن الشهر لا يكون إلا ثلاثين، أو تسعة وعشرين، فمن ظن أن الشهر يكون أكثر من ذلك أو أقل فهو غالط، فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار (11) ووقت إبداره هو الليالي البيض التي يستحب صيام أيامها، ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي، والهلال يستسر آخر الشهر، إما ليلة، وإما ليلتين كما يستسر ليلة تشع وعشرين وثلاثين، والشمس لا تكسف إلا وقت استسراره، وللشمس والقمر ليالي معتادة من عرفها عرف الكسوف والخسوف، كما أن من علم كم مضى من الشهر يعلم أن الهلال يطلع في الليلة الفلانية أو التي قبلها، لكن العلم بالعادة في الهلال علم عام يشترك فيه جميع الناس، وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من باب ما يخبر به من الأحكام التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه ).
وقال رحمه الله: ( وكسوف الشمس إنما يكون وقت استسرار القمر آخر الشهر، وخسوف القمر إنما يكون ليالي الإبدار الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، كما أن الهلال قد يكون ليلة الثلاثين، أو الحادي والثلاثين (12) وهذا الذي أجرى الله به عادته في حركات الشمس والقمر، وما ذكره بعض الفقهاء من تقدير اجتماع الكسوف وصلاة العيد فهذا لم يقله أحد من الصحابة، ولا ذكره أكثر العلماء، لا أحمد، ولا غيره، ولكن ذكره طائفة من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد، وغيرهما تبعاً لما ذكره الشافعي، فإنه رضي الله عنه لما تكلم فيهما إذا اجتمع صلاتان كيف يصنع، وذكر أنه يقدم ما يفوت على ما لا يفوت، ذكر من جملة التقدير صلاة العيد والكسوف طرداً للقاعدة، مع إعراضه عن كون ذلك يقع أو لا يقع، كما يقدر الفقهاء مسائل كثيرة كطرد القياس مع إعراضهم عن وقوع ذلك في الوجود، بل يقدرون ما يعلمون أنه لا يقع عادة، كعشرين جدة، وفروع الوصايا، فجاء بعض الفقهاء فأخذ يكابر ويقول: إن هذا قد يقع ).
قال أبو عبد الرحمن: وجاء العلم الحديث ولم يبطل قول أسلافنا، بل أقره، واليقين في قلوبنا من نتائج العلم الحديث الحسية، وما سبق إليه تحقيق علماء الأمة، كالذين مر ذكرهم لا يقل عن شهادة الشهود العدول الذين يحكم القضاء برؤيتهم، وحينئذ يجب على القضاء الموازنة بين البينات من شهود الشهود، وحقائق العلم، وتحقيقات العلماء (13) .
والموازنة كيفها الشرع ببدهياته، فقد أطال ابن قيم الجوزية النفس بكتابه ( إعلام الموقعين ) عن عموم البينة، وأنها ليست وقفاً على شهادة الشهود، وليست شهادة الشهود أقوى البينات.
والقاعدة الفكرية الشرعية: أن الظني يرد بالقطعي.
ومن منقولات اللهيب: قول ابن العربي في الأحكام: ( الشاهد إذا قال ما قام الدليل على بطلانه فلا تقبل شهادته ).
5- من قال: يعرف الهلال بغير شهادة الشهود لا يحكم بأنه عصى الله حتى يثبت أن ما قاله معارضاً لبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه غير معذور باجتهاده.
وأقول هذا احتياطاً لإعراض سلف من علماء الأمة ذوي علم وفضل أخذوا بالمشترك اللفظي من قوله صلى الله عليه وسلم: ( فأقدروا له ) إذ يتناول الإكمال للثلاثين، والحساب، والعدد.
فمنهم مطرف بن عبد الله بن الشخير من كبار التابعين، ومتكلم أهل والجماعة ابن قتيبة قالا: يعول على الحساب عند الغيم، أخذاً بالمشترك من قوله صلى الله عليه وسلم: ( فأقدروا له ) وبه قال بعض أصحاب أبي حنيفة، والشافعي، كأبي العباس ابن سريج، وأبي جعفر الطحاوي، إلا أنه اعتبر إكمال الثلاثين ناسخاً لكلمة ( فأقدروا له ) على أن ابن عبد البر ضعّف نسبة المذهب إلى ابن الشخير.
6- من قال: إثبات الهلال ليس وقفاً على شهادة الشهود بل تراعى البينات الحسية فليس عاصياً لله ورسوله، ولم يجئ بشيء (14) يزعم أنه يعلم به دخول الشهر غير ما بينه الشارع، وإنما دعا إلى إدخال الشهر وفق طرق الإثبات الشرعي.
قال أبو عبد الرحمن: ومن مشكل الحديث، حديث أبي بكرة رضي الله عنه في صحيح البخاري: ( شهران لا ينقصان: شهرا عيد رمضان وذو الحجة ) ففي معنى هذا الحديث الشريف عدة أقاويل استوفاها ابن حجر في ( فتح الباري ) منها مذهب الإمامين أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: أنهما لا ينقصان في سنة واحدة، وبذلك قال أبو بكر أحمد بن عمرو البزار.
قال الحافظ ابن حجر: ( يدل عليه رواية زيد بن عقبة: عن سمرة بن جندب مرفوعاً: شهرا عيد لا يكونان ثمانية وخمسين يوماً ).
قال أبو عبد الرحمن: يلزم من أخذ بهذا المذهب أن يرد شهادة الشهود بنقص شهر رمضان وذي الحجة في عام واحد إلى هذا الحديث.
قال الحافظ ابن حجر عن حديث سمرة بن جندب: ( وأما ما ذكره البزار من رواية زيد بن عقبة: عن سمرة بن جندب: فإسناده ضعيف، وقد أخرجه الدارقطني في الأفراد، والطبراني من هذا الوجه بلفظ: [ لا يتم شهران ستين يوماً ] ).
وقال أبو الوليد بن رشد: ( إن ثبت فمعناه لا يكونان ثمانية وخمسين في الأجر والثواب ) (15) .
قال أبو عبد الرحمن: إذا أمضى ولاة الأمر الحكم بدخول الشهر: فلا يجوز لأحد الشغب على الجماعة، أو الخروج عنهم بفطر أو صيام.
وإنما يرجو رجال العلم الشرعي وعلماء الهيئة الذين لهم علم حسي يقيني محقق من ولاة أهل الحل والعقد فينا أن يغربلوا شهادة الشهود وفق البينات الأخرى، وأن يتحققوا الأمر في حالة من الحالات يقول فيها العلم الحديث، ويقول فيها محققو علمائنا السالفين: إن الرؤية فيها غير ممكنة (16).
ـــــــــــــــ
(1) في الكتاب: ( أدرى منه به ) وهي خطأ.
(2) نهاية صفحة 316
(3) نهاية صفحة 317
(4) نهاية صفحة 318
(5) نهاية صفحة 319
(6) نهاية صفحة 320
(7) نهاية صفحة 321
(8) نهاية صفحة 322
(9) نهاية صفحة 323
(10) نهاية صفحة 324
(11) نهاية صفحة 325
(12) نهاية صفحة 326
(13) نهاية صفحة 327
(14) نهاية صفحة 328
(15) نهاية صفحة 329
(16) صفحة 330
(1) في الكتاب: ( أدرى منه به ) وهي خطأ.
(2) نهاية صفحة 316
(3) نهاية صفحة 317
(4) نهاية صفحة 318
(5) نهاية صفحة 319
(6) نهاية صفحة 320
(7) نهاية صفحة 321
(8) نهاية صفحة 322
(9) نهاية صفحة 323
(10) نهاية صفحة 324
(11) نهاية صفحة 325
(12) نهاية صفحة 326
(13) نهاية صفحة 327
(14) نهاية صفحة 328
(15) نهاية صفحة 329
(16) صفحة 330
تعليقات
إرسال تعليق