قصة: رعدة حب!

#رعدة_حب:
آه؛ كان علي أن أنتظر كل هذا الوقت من أجل وصول طبيب العيون إلى مقره داخل هذه العمارة الميتة، انتظار يصحبه غبار متطاير جراء لعب الأطفال والبنات، كانت إحداهن قد جلست من الإعياء أو ربما أصابها جرح أثناء اللعب، كم أحسدهم ليس لسعادتهم بل لحماقتهم، إنهم لا يدركون خطورة الغبار كما يدركه أنفي الذي يحاول حبس الأنفاس عني وأظنه يحاول قتلي، تعيس هذا الرأس الذي يحمل خيشوما كهذا.. أجول بنظري في أنحاء العمارة والمحلات المغلقة بأسفلها وبعض الأشياخ المركونين في جوانبها كأنهم يحرسون الزمن تحت كراسيِّهم، حين ذاك سمعت صوت امرأة تنادي على أولادها أن يصعدوا إلى البيت، أنا أخاف السيدات لأنهن ينظرن إليك مثل سارق لأطفالهن، حاولت أن أصرخ من شدة نظرات تلك السيدة وأقول: إني أنتظر طبيب العيون ولا أترصد أبناءَك يا مدام، ولكن كلامي ساخَ في حنجرتي من شدة الخوف، كان مشهد تلك المرأة وهي تطل من الشرفة كمشهد قمر أطل بعد ليلة حالكة شديدة الظلام، أو بالأحرى مثل صرخة حياة من عمارة كانت قبل قليل ميتة، لم أشأ التركيز حتى لا يطردني الأشياخ من عمارتهم، هم يحرسون الزمن ويحرسون الغرباء مثلي حتى لا يقعوا في حب نساء الحي، قررت تحويل نظري متسائلا في نفسي من هم أطفالها، ثم تجمع الأولاد حول تلك الصبية الجالسة وهي تئن وقالوا: هيا نصعد بك إلى بيتكم، اكتشفت أنها هي ابنة تلك السيدة المشرقة من فوق، تقدمت نحو الأولاد وبسرعة قالوا: هل لك أن تحمل الصبية إلى منزل جيراننا، تلك أمها تناديها؟ توجست خيفة ثم رفعت رأسي لأجد المرأة وقد التزمت الصمت وهي تحاول النطق بشيء عجزت عنه، تقدمت أكثر وقلت: سوف أساعدكم، فالتفتوا ضاحكين نحو الشرفة: طاطا سوف يساعدنا عمو لنحضر لك ابنتك، كم هم أبرياء تلك االبراءة التي نشعر بها في لحظة عابرة حين نقع في الحب من أول نظرة، هل سيأتي الطبيب الآن حين أصعد بالطفلة وتفوتني الفرصة التي انتظرتها منذ الصباح؟ تبا لكل ذلك وتبا لأطباء العيون، قد نعالج عيوننا بالنظر إلى أحبائنا، تعالي يا بنيتي، سأحملك، هاتي يدك، حسنا.. سنأخذك لدى أهلك وستتعافين سريعا ويمكنك اللعب بعد ذلك دون توقف وكلما أصابك شيء سأحملك أنا إلى أمك، العبارة الأخيرة قلتها في نفسي، لذا تمنيت لو أن وظيفتي هي إيصال الأولاد لتلك السيدة الغريبة الصامتة والمشرقة والمستهترة على ما يبدو بعملي البطولي، النساء لا يشكرن بلسانهن بل بعيونهن، صعد معي الأولاد حتى بيت تلك العائلة، طرقوا الباب فرحين بصديقتهم، فُتِح الباب وكادت البنت أن تقع من بين ذراعي، لا لثقلها بل لثقل المشهد الذي رأيته، امرأة باذخة الجمال ليس كما في أذهانكم بل الجمال الذي يبهرني أنا فقط، هدوء روحي وسلام داخلي ينبعثان من عينيها وهي تنظر فيَّ وكدت أتململ وأتراجع خطوة أو أتقدم خطوتين لا أدري بالضبط، هل قلت لكم هدوء وسلام؟ لا، العكس تماما إنما هو فوضى وتهديد لكياني، بضع شعرات شقر تحت خمارها، وثوب أزرق داكن يكاد ينخرق من امتلائها، جزء قليل من صدرها يلمع بياضا ينم عن مرتفع جغرافي وعر لا يمكنني وصفه، ثم بطن هزيلة أدناها امتلاء آخر يضارع الامتلاء العلوي أظنكم تعرفون الرقم 8 دون شك، الأطفال زاد ضحكهم لسبب لا أدري ما هو، والسيدة كانت قد نطقت بعبارة شكر مقتضبة ولعلها اندهشت من تسمري عند بابها وكأنها تقول: انتهى وقتك، هات الصبية وامض إلى شأنك أيها الأحمق! فعلا وهل من حماقة أكثر من التزام الصمت أمام هذا الجمال دون النطق بأي حرف ولا فعل أي شيء؟ بلى؛ إن الصمت أثاره الجلال في ملامحها والذي يحد قليلا من فتنة الجمال حتى لا تتصرف بحماقة.
- سيدتي هذه ابنتك سلمها الله من كل مكروه، وغمرك الله بفرحته، أنا غريب وجئت إلى هنا عند طبيب العيون.
- أهلا وسهلا تبدو شابا لطيفا.
- آه شكرا مدام، مجرد كاتب تعيس تؤلمه عيناه من كثرة القراءة.
- كاتب؟! يزورني كاتب في بيتي ويحمل ابنتي؟
- ليس لذلك الحد، خربشات فقط أكتبها حين يصادفني موقف صادم..
- ولكن يبدو أنك في صدمة منذ فتحتُ الباب!! ضحكتْ وضحكتُ وقلت لها بخوف شديد:
- أنا فلان يمكن العثور عليَّ إذا أردتِّ تضييع وقتك لقراءة خربشاتي.. سررتُ بك سأنزل عند الطبيب.. هرولتُ نازلا الدرج دون انتظار جوابها حتى!! هكذا يفعل الخوف!
مساء كتبتُ قصة على صفحتي، راسلني حساب مجهول: أنا هي المرأة التي كتبتَ عنها في حسابك يا حضرة الكاتب، كيف حال عينيك؟ كانت رسالة مقصودة
"كيف حال عينَيْ من رآكِ يا سيدتي!"

تعليقات