- ألقيتُ نظرةً على ذلك الإناء الذي بجواري فإذا
ليس فيه أيُّ قطرة من ماء، بل اكتسحه جفافٌ مثل الذي لحِق بي جرَّاءَ الصوم، لكنْ فُتِح
لي باب العِبرة في ملذَّات الدنيا وحلاوتها وسرعة زوالها وهوانها على الله، وكم هو
قريبٌ ما بين لُقَيْمات السحور وحسوات الفطور، لكنِ الأقربُ هو ما بين صرخة الطفل الذي
اقتحم الدنيا وصرخة الفاجعة برحيل شيخٍ قارب التسعين، وقلتُ في غفلة: هلَّا شربتُ فأرتويَ
وأزيدَ حتى لا أندم؟ ثم تلاشى هذا الخاطر الأرضيُّ وحلَّ محلَّهُ الخاطر السماويُّ
الذي قال: مَن لم يرتوِ بالمعرفة والشهود لم يزدْهُ الماء العذبُ إلا ظمأً، كفاكَ يا
صاحبي غفلةً! وسمعتُ حشرجة صدرٍ كأنها لشيخٍ منبعثٍ من قبرِهِ ضاربٍ بعصاه ينكُتُ بها
الأرض، فالتفتُّ فإذا هو أبو الفرج يقول: إن في الدنيا جنة مَن لم يدخلها لم يدخل جنة
الآخرة! فهممتُ أن أتلمَّس يده المرتجفةَ… فلم ألحقْ به إلا سرابا!
تعليقات
إرسال تعليق